ads
رئيس التحرير
ads

“حريص عليكم “الحرص في البلاغ المبين (١). بقلم 🖊 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.

الأربعاء 22-05-2024 23:36

كتب

الحرص في دروب الخير حرصان، حرص نافع، وحرص مانع،
فالحرص النافع، كالحرص على تحصيل الحسنات والطاعات ونحو ذلك من وجوه القربات ومسالك الخيرات،
والحرص المانع، كالحرص على اكتساب السيئة ونحوها مما يمنع من تحصيل الخير، ويحول دون بسط أوجه الخير بين الناس كافة،
وصحة الحرص معناها : شدة الخوف على من تحب، والعمل على صونه وحفظه، والتفاني في صيانته وتدبير أمره،
والحيلولة بينه وبين أى سوء يَمسّه أو أى مكروه يلحق به،
والحرص من هذه الناحية يجلب حسن المعاملة، واحترام الذات الإنسانية من جوانبها المختلفة، وذلك في أمر الدين والدنيا معًا، علمًا وعملًا، تصرفًا وسلوكًا، فضلًا عن بذل الوسع والطاقة في إيصال الخير إلى الغير دون إفراط أو تفريط، وبهذا أقول: إن الحرص بهذا المعنى إنما هو جوهر التعليم، ومقصود البلاغ المبين، من إرسال الأنبياء والمرسلين، وإنزال الصحف والكتاب المبين،
ويبدو هذا الحرص جليًا في حرصه- صلى الله عليه وسلم- على إبصال دعوة الحق والبلاغ الأمين إلى الناس أجمعين، فقد بلَّغ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرسالة وأدّ الأمانة للناس جميعًا، فَأَقَام الْحُجَّة عَلَيْهِم، وقطع الْعُذْرَ عَنْهُمْ، إعمالًا لأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 67]، ومن عظيم حرصه – صلى الله عليه وسلم – حرصه على استبقاء شهادة التوحيد ولو في أصلاب كفار قريش بمكة؛ أملًا فى حلول الصلاح والإيمان محل الكفر والعصيان في نشئهم المرتجى، وذراريهم المرتقبة، وذرياتهم المنتظرة، وليس أدل على ذلك من هذه الواقعة الماثلة بين أيدينا، فقد جَاء جِبْرِيل – عليه السلام – وَمَعَه مَلَك الْجِبَال فَقَالَ له :
« إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الْأَخْشَبَيْنِ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ)،
وَمِنْ حِرْصِه الجميل- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد رَفَعَ يَدَيْهِ فقَالَ:
« اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَأَلَه فَأَخْبَرَه رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ»
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وهذا الحرص إنما يجسد رسالة العلم التى ورثها العلماء عن الأنبياء والمرسلين، والرحمة التى جسدها رسول الله- صلى الله الله عليه وسلم- بالناس أجمعين فى سلوكه وتصرفه، في أقواله وأفعاله وسائر أحواله؛ إعمالًا لقوله تعالى:
” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء، آية 107)،
والتى جسدها أيضًا عندما قام في الناس مقامًا، حكاه أبو حُذَيْفَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- فقال: «قَامَ فِينَا رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُون فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ..» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)،
وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- في السياق ذاته:
« لَقَدْ تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا يُحَرِّكُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا أَذْكَرَنَا مِنْهُ عِلْمًا»
(رَوَاهُ الإمام أَحْمَدُ)،
وَقَالَ أَنَسٌ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: « كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. حَتَّى جَعَلَ رَسُول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ» (رَوَاهُ الإمام أَحْمَد)،
وأيصًا حرصه في بيان قوله في حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ” أما ترضون أَن تَكونوا ربع أهلِ الْجنة؟، قَال : فَكَبَّرْنَا،
ثم قَال: أَما تَرضون أَن تَكونوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجنة، قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثم قَال : إني لأرجو أن تَكونوا شَطْرَ أَهْلِ الْجنة، وسأخبِركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفار إِلا كشعرةٍ بَيْضَاءَ في ثَوْرٍ أَسود أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَض )رواه مسلم)، وبعد بيان هذا الحرص الجميل منه- صلى الله عليه وسلم- أذّكِر القارئ الكريم بوجوب استبقاء الحياء من الله، قال- صلي الله عليه وسلم- من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله- عنه ” استحيوا من الله – عز وجل- حق الحياء،
قالوا : إنا نستحيي والحمد لله قال ليس ذلك من يستحيي من الله فالْيحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر الموت والبٍلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيي من الله حق الحياء
“( رواه الترمذي )،
وأختم مقالى هذا بما كتبه عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه –
إلى أحد رجال زمانه، حينما أوصاه وصية قال له فيها :
أوصيك ونفسى بتقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها،
ولا يُثيب إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل،
جعلنا الله وإياك من المتقين”،
وهذه الوصية نوع من الحرص النافع، الذى يجب أن يجري بين الناس في أقوالهم وأعمالهم وسائر أحوالهم؛ تحصيلًا لكمال الإيمان، وجمال الإنسان، وتمام الإحسان.
“حريص عليكم “الحرص في البلاغ المبين (١).
بقلم 🖊 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
ads

اضف تعليق