كتب صحيفة التايمز الدولية
قصّة قصيرة
رهـــف …
الجزء الأول
ترعرعت رهف بين أحضان عائلة منحتها السعادة والأمان وعاشت طفولتها ببساطتها ووضوحها لم تكن رهف كباقي الأطفال ففي سنها المبكر كانت تعشق القراءة والكتابة وكانت تأخذ كتب أخيها الجامعي وقصصه لتهجئتها وكانت تعيد ما تهجيه لتحاول فهم ما قرأته …
والدا رهف كانا يسايرانها ويحبانها كباقي أخواتها واخوتها التسعة …
ولكن كانت بالنسبة إليهم البنت الحنونة ..
كبرت رهف وكبرت أحلامها الوردية وتزايدت خطواتها نحو الطموح بأن تصبح يوما”ما محررة…
حدث جلل .. في سن مبكر إبان الحرب أن فقدت السند والكفيل والذي تعلقت به هو أباها
خسارته كانت بالنسبة إليها وجع أصابها في الصميم …لم تعد رهف كما كانت.,
ابتسامتها باتت ذابلة وعيناها مغرورقة دائما”…تقربت رهف من والدتها تتكئ على صدرها حين فقدت أبيها محاولة التخفيف مما في صدرها ولامست قلب الأم الحزين ..
حاولت يوما”بعد يوم أن تقاوم الوجع وأن تبدد الدموع لتتخلص من حزنها
بعد سنتين من وفاة أبيها وقفت على الشرفة لتتنفس الصعداء وما أن حاولت أن تجلس على أرجوحتها حتى لفت نظرها شاب أسمر بهي الطلعة طويل القامة ينظر إليها بإعجاب وهو محدق بها وهي التي كانت على قدر كاف من الجمال والجاذبية الشعر منساب كأمواج البحر والوجه مستدير بهية المحيا لوحت الشمس وجهها للسمرة ورمت قبلات على وجنتيها عند أطراف الغروب فلاحت الحمرة تظهر خجلها. .
وما أن رأت رهف نظرات الشاب لها حتى دخلت المنزل مدهوشة وخائفة وكأنها ارتكبت جرما”هي الحال الأولى التي ترى فيها نظرة محملقة متطفلة. ..
بقيت يومها وليلها تترقب ببصيرتها تلك النظرة هل هو خوف من شيء ما أم هو إعجاب أو أنها نظرة عابرة وهي من شغلت نفسها بها ؟
ظلت رهف على هذه الحال حتى صباح اليوم التالي حاولت النهوض باكراّوقدمت لاخوتها كعادتها القهوة والحلوى ووالدتها التي كانت تراها بكامل جمالها سألتها :رهف أراك مشرقة اليوم ياابنتيي خجلت رهف وحاولت التهرب من الرد وقالت :لا أدري سعيدة بكم يا أماه ..بعد ان ذهب الأخوة للعملل أكملت رهف وأخواتها عمل المنزل كان الجو جميلا”والسماء صافية هو الصيف حين يقبل بجماله إليناا رغم حرارة النهار …خرجت رهف كعادتها تحاول الجلوس على شرفة المنزل واذا بصوت يباغتها إنهه نفس الشخص الذي كان بالأمس نعم هو حاول أن يسألها سؤالا”بحجة يسأل عن منزل أحدهم وكان هذا منزل أخيها المتزوج وهنا كانت فرصته بالتعرف بها والسؤال عن إسمها وتشكرها ورحل ….وبعد أيام عاد الشاب ليطرق باب المنزل واذا بها تفتح الباب مفاجأة تسأله عن سبب مجيئه أخبرها بأنه صديق أخيها لذا أتي ليزوره عرفها بنفسه أن إسمه أحمد وأنه معجب بها منذ أن رآها لم تستطع الرد فلاح الخجل يرمي وشاحه على خديها …دخل أحمد واستقبله أهلها كعادتهم مع كل ضيف بترحاب وسعادة …بقي أحمد يسترق النظرات من رهف حتى انتبهت الأم فحاولت إبعاد رهف دون أن تشعرهاا بالفشل فطلبت منها أن تقوم بتحضير الشراب للضيف
وهكذا ..توالت الأيام استطاع أحمد أن يعترف لرهف بحبه الكبير وهي أيضا”وقعت في هذا الحب حتى تفاقم حبهما وعلم به كل أهل الحي ولكنه كان حبا”عذريا”لا مقابلات لا جلسات فقط همسات بدونن صوت من بعيد لبعيد حتى دام حبهما ثلاث سنوات حاول أحمد التقدم لخطبتها من أخيها ولكنه رفض وبشدة كونه لم يبني مستقبله وليس لديه منزلا”يليق بأخته حتى قرر أحمد السفر بعيدا”كي يبني مستقبله ومنذ أن هاجر انقطعت أخباره عنها ..وكانت هي لديها صديقة كأخت أسماء تعتبرها وهي ابنة عمه بينما كانت تسألها رهف عن أخباره كانت تقول لها أنه بخير وكأن بها سعادة حين ذكر إسمهه وبعد شهر من غيابه علمت رهف بأن أحمد هو خطيب الطفولة لأسماء ابنة عمه أسماء مما جعلل الصدمة توجع رهف من الصميم تفاجأت بهذه الطعنة من إثنين الأول حبيبها الذي أخفى عنها سرهه والثانية من صديقتها التي لم تصارحها بهذا الحب الذي يجمعهما وهذا جعل منها ميؤسة من حياتهاا خسرت أجمل حب شعرت به حب المراهقة الأولى ما أصعب أن تخسر شيئا”تعمقت بحبه وهو أثمن ما لديك لا شيء يعنيك بعده ..
هنا تقدم لرهف الكثير من الخطاب والمحبين ولكنها كانت ترفض تقدم لها دكتور لأنه لا ينتمي لطائفتهاا حصلت معارضة من أخيها وهي لا تأبه بقرارها تنتظر قراراتهم لم تعد موجودة فقد ضاع حلم حياتها.. تقدم لها شاب بقي في مرحلة حبها الأول يتردد ويطلب يدها مرارا”وتكرارا”ولكنها كانت تومئ بالرفض جن جنون اخوتها ترفضين من يحبك أنت عبء علينا انت تبحثين عن الحب ونحن نبحث لك عن حياة رغيدة …
بعد سنوات قليلة من وفاة أبيها توفيت والدتها بمرض عضال وكانت هي حينها طبيبة الوالدة دون شهادة ..بقيت رهف بحزنها العميق وكانت تفكر باختيار والدتها وأخواتها لها لذاك العريس المذكورر وهي من حبها لأمها أحبت أن ترضيها بعد وفاتها فما كان منها بعد سنة إلا أن تتزوج به حتى لا ترميي بثقلها على اخوتها وكانت لعبة القدر الخاطئة لاختيارها حتى أنها اكتشفت بعد الزواج أنها لا تستطيع حتى التأقلم مع هذا الزوج سمير الذي تبين لها بأنه أخذها كي يذلها لأنها رفضته مرارا”
ولكنها لا تريد أن تعود لإخوتها مطلقة ماذا سيقول الناس وما يرونه بهذا الطلاق فقررت الصمت والعيش بدون حب …
المشاعر التي تتكون فينا إن دفناها ستتحول لبؤس وقد تتفجر في مكان ووقت ما من العمر حينن تصادف شخصا”ما في حياتك..
الجزء الثاني
حدث أن تزوجت رهف زواجا”تقليديا”من سمير الذي اختارته إرضاء لروح أمها وبدأت قصتها مع سمير الذي إكتشفت فيه بعد الزواج مزايا لم ترها فيه قبل الزواج مما جعلها محبطة لم تكن تتوقع أن سميرر الذي كان يترجى الجميع للزواج بها أن يكون قاسيا”ولا يحترمها أو يقدر مشاعرها حتى أحست بأنه أخذها لينتقم منها كونها رفضته مرارا”وتكرارا”…كانت في كل يوم تشعر بأنها تعيش فقط لأجل السترة على الأقل هذا ما علموها إياه أهلها وذويها
وما سمعته من مجتمعها الفاشل (زواج البنت سترتها)
ونسوا أنها ربما بهذا الزواج قد تتمزق سترتها
وكرامتها …بقيت رهف تعد الليالي بصبر وجلد على مشادات الزوج وأفكاره البالية واعتراضاته المبالغ فيها
حتى إنها لم تستطع في كل جدال أن تحصل على نتيجة معه سوى البكاء والإنزواء في غرفتها حرصا”على كبريائها ولكن لا حياة لمن تنادي ..
كان سمير يأتي من عمله مشحونا”متضايقا”وكانت رغم كل شيء تستقبله بابتسامتها وتقبل جبينهه عند كل عودة ولكنه لم يكن لينا”في كل مرة يبحث عن جدال ومشكل يفتعله معها مرة يتحجج بنكهة الطعام ومرة بقطعة ثياب ومرات بأثاث البيت فقط لأنه فضولي وحشري وفي أغلب الأحيان كان مجرد حديث تحادثه فيه يعاندها ويقيم قيامته حين تحاول تصحيح معلومة وهكذا بقيت سنوات وسنوات …أصبح لرهف ثلاثة أولاد صبي وابنتان وقبيل الولادة الثالثة لرهف تعرف سمير من خلال عمله على فتاة بدوية اسمها بسمة وكانت سمراء
وبالصدفة علمت رهف بعلاقة سمير بهذه الصبية ..ذات مساء أخبر سمير رهف بأنه سيقوم بإجراء فحوصات طبية في صباح اليوم الثاني وما كان على رهف سوى تصديقه وهي التي باعتقادها أنهاا الأنثى الوحيدة في حياته كونه أحبها ثلاث سنوات ..
وفي صباح اليوم المعهود لخروج سمير من المنزل لإجراء فحوصاته استيقظت رهف ولكنها لم تجد سمير على سريرها كعادة الزوجين اعتقدت ربما دخل الحمام في غرفة أخرى في المنزل لأن الوقتت لازال مبكرا”للذهاب للمختبرات كانت الساعة الخامسة فجرا”ولكن رهف استسلمت لفكرة أنه فيي غرفة أخرى وحاولت النوم مجددا”ولكن بعد نصف ساعة واذا بالهاتف يرن إنه هاتف زوجي قالت من ياا ترى في هذا الوقت المبكر بحثت عن زوجها في كل أرجاء المنزل لتعطيه الهاتف لم تجده ،
فتحت المكالمة واذا بصوت انثوي خشن تقول أنا انتظرك أين انت لم تأخرت ؟
ردت رهف من معي ؟ اتى صوت بسمة مرتجفا”أليس هاتف سمير ؟
نعم لسمير أجابتها رهف ولكن هل ممكن أن اعرف من تريده ؟قالت لا عليك قولي له أنني اتصلت هو سيعرف وأقفلت الخط ..حاولت رهف أن تعيد المكالمة لتستفهم من المتصل ولكنها رفضت الرد ..ثارر الدم في عروق رهف وجن جنونها أيعقل أن زوجها كذب عليها ؟
أيعقل أنه على علاقة بتلك الغريبة ؟وبدأت الوساوس تأخذها وتأتي بها والنار تشتعل بصدرها….
وفي الظهيرة حضر سمير وبعد أن أرتاح وبعد تناوله وجبة الغذاء تقدمت رهف وهي من الداخل ترتجف لتسأله وتخبره عن تلك التي تركت له معها رسالة ،فما إن حاولت حتى نكر أنه كان على موعد بهاا وانها زبونة وليس على علاقة بها ولكن ما أثار فضول رهف أن تسأله لم ذهبت باكرا”للمختبر وأنت تعلم أنه ليس دوام عمل ؟
صفعوجهها وحاول خناقها كي يتخلص من أسئلتها بكت رهف وكالعادة دخلت غرفتها تحدث مرآتهاا وتشكوها همها كأم افتقدت وصلها …
في ليل ذاك النهار وفي ساعة متأخرة من الليل كانت رهف قلقة ولم تنم الليل وكانت الساعات تنخر برأسها وجعا”يعدو كخيول في حلبة سباق …اغمضت رهف عينيها محاولة تخفيف حضورها للواقع وماا أن فعلت حتى شعرت بأن سمير ابتعد عن سريرها بسبب اتصال وهو باعتقاده أنها نائمة ولكن هيي لم تتحمل الواقع وما تشعر به حيال هذا الوضع يكويها.
لحقت به قبل أن تصل للغرفة التي يتهاتف فيها حتى حلت شياطين اللعنة برأسها سمعت رهف من سمير ما لم يكن في الحسبان ..
سمير يغازل بسمة ويقول لها نامت وارتحت منها وكان حديثه حارا”معها لم تتحمل رهف ما سمعته ودخلت لإخباره ما سمعته وبدأت باستجوابه من هذه التافهة من هي التي فضلتها علي ؟
تحججت بالفحوصات لتقابلها ماذا فعلت بي ؟
أنت تحبها قل لها أن تبتعد عن طريقنا أخبرها أنها دونية وبدأت رهف بإدلاء اتهاماتها بجنون وحاول سمير أخبارها أنها مجرد صديقة ولكن رهف لم تقتنع صديقة تغازلها وتكلمها كأنها زوجتك ارحل لاا أريدك أو طلقني وهكذا حاولت رهف طلب الطلاق من سمير بعد السنة الخامسة من زواجهما ولكن ماا كان من سمير سوى ضربها واهانتها
هنا بدأت علامات الوجع تظهر على رهف وهي في الشهر الثالث من الحمل حتى حدثت علامات الإجهاض…
بكت رهف لما توصلت له بحياتها مع سمير كيف تتخلى عن أولادها وهي التي لأجلهم حياتها …
تدخلت أخت رهف وزوجها بإصلاح علاقتهما ولكن بقيت علامات الحزن في قلب رهف تنعكس من عينيها الذابلتين..حاول سمير أن يخفف عنها ويطلب منها عدم التعاطي مع الأمور بأنها قصة حب بلل مجرد نزوة ومرت وطلب منها مسامحته
وهكذا أعادت رهف لعائلتها الجو الحميم كي لا تفقد الأسرة طابعها الجميل ..
بقلم / كفاء أبو دلة عيسى من دولة لبنان