الرئيسية آخرالاخبار آراءحرة أحداث عالمية الأزهرالشريف الاكثر تعليق الاكثر قراءة الصحافة العالمية الصفحة الأدبية الصفحةالتعليمية الصفحةالدينية الصفحةالرئيسية ثقافة جامعات جامعة الأزهرالشريف
التمسح بقبر النبى – صلى الله عليه وآله وسلم :للأستاذالدكتور/ خالد نصرعميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية
الأحد 25-08-2024 13:18
التمسح بقبر النبى – صلى الله عليه وآله وسلم :
إعداد أ.د. / خالد نصرعميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين .
وبعد …
اختلف العلماء فى ذلك على النحو التالى :
الرأى الأول :
أجاز التمسح بقبره صلى الله عليه وسلم وتقبيله
واستدلوا على ذلك بقولُ عبدِ اللهِ ابن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبل- أنه سأل أباه – عن الرَّجُلِ يمَسُّ مِنبرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويتبرُّك بمَسِّه، ويُقبِّلُه، ويَفعل بالقَبر مِثلَ ذلك أو نحوَ هذا؛ يُريد بذلك التقرُّبَ إلى اللهِ جلَّ وعزَّ ؟! فقال: لا بأسَ بذلك” . العلل ومعرفة الرجال أبوعبدالله أحمد بن حنبل ٢ / ٤٩٢
فهذا يدل على جواز تقبيل قبره صلى الله عليه وسلم والتمسح به
إن قُصِد به التبرك ،
وهذا هو المعتمد عند الشافعية، نصَّ عليه غير واحد منهم ،
والدليل على جواز تقبيل قبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –
ما ورد من جواز تقبيل الحجر الأسود واستحباب ذلك،
فعن سيدنا عمر – رضي الله عنه – أنه جاء إلى الـحَجَر فقبَّله فقال:
إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك .
فقد استنبط بعض العلماء من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من في تكريمه وتشريفه تعظيم لله عز وجل ويرجى البركة بتوقيره ومحبته
قال البدر العيني:
” قال شيخنا زين الدين: … وأما تقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرك، وكذلك تقبيل أيدي الصالحين وأرجلهم فهو حسن محمود باعتبار القصد والنية، وقد سأل أبو هريرة – رضى الله عنه- الحسن – رضي الله عنه – أن يكشف له المكان الذي قبَّله رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – -وهو سرته – فقبله تبركًا بآثارهِ وذريته – صلى الله عليه وآله وسلم – ،
وقد كان ثابت البناني لا يدع يد أنس – رضي الله عنه – حتى يقبِّلها، ويقول:
يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم…،
وقال أيضًا : وأخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتقبيل منبره ، فقال: لا بأس بذلك ” عمدة القارئ ٩ / ٢٤١ ط دار إحياء التراث العربي.
وقال المحب الطبري:
” ويمكن أن يستنبط من تقبيل الحجر واستلام الأركان جواز تقبيل ما في تقبيله تعظيم الله تعالى، فإنه إن لم يرد فيه خبر بالندب لم يرد بالكراهة، وقد رأيتُ في بعض تعاليق جدي محمد بن أبي بكر عن الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي الصيف أن بعضهم كان إذا رأى المصاحف قبَّلها، وإذا رأى أجزاء الحديث قبَّلها، وإذا رأى قبور الصالحين قبَّلها. ولا يبعد هذا والله أعلم في كل ما فيه تعظيم لله تعالى ” فتح المتعال فى مدح النعال شهاب الدين أحمد بن محمد المقرئ التلمساني ص ٣٣٠
وقد رد الإمام الذهبي
على من لا يجيز التمسح بقبره صلى الله عليه وآله وسلم بأن الصحابة – رضى الله عنهم – لم يفعلوا ذلك ، ولم ينقل عنهم أنهم فعلوه ، فقال معلِّلًا :
” لأنهم عاينوه حيًّا، وتملوا به، وقبَّلوا يده، وكادوا يقتتلون على وضوئه، واقتسموا شعره المطهَّر يوم الحج الأكبر، وكان إذا تنخَّم لا تكاد نخامته تقع إلا في يد رجل فيدلك بها وجهه، ونحن : فلما لم يصح لنا مثل هذا النصيب الأوفر ترامينا على قبره بالالتزام والتبجيل والاستلام والتقبيل، ألا ترى كيف فعل ثابت البناني؟ كان يقبِّل يد أنس بن مالك ويضعها على وجهه ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -ثم أورد توفيقًا عجيبًا بين المجوِّزين والمانعين فقال:- وهذه الأمور لا يحرِّكها من المسلم إلا فرط حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛
إذ هو مأمور بأن يحب الله ورسوله أشد من حبه لنفسه وولده والناس أجمعين ومن أمواله ومن الجنة وحورها، بل خلق من المؤمنين يحبون أبا بكر وعمر أكثر من حب أنفسهم. حكى لنا جندار أنه كان بجبل البقاع فسمع رجلًا سب أبا بكر فسل سيفه وضرب عنقه، ولو كان سمعه يسبه أو يسب أباه لما استباح دمه، ألا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: لا، فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال وتوقير، لا سجود عبادة كما سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلًا، بل يكون عاصيًا، فليعرف أن هذا منهي عنه، وكذلك الصلاة إلى القبر ” “معجم الشيوخ الكبير” للذهبي
فالأمر دائر مع فرط المحبة والشوق.
ومثل هذا التوفيق قاله ابن حجر الهيتمي في “رسالته”، فبعد أن ذكر قول المحب الطبري في جواز تقبيل القبر النبوي؛ قال: ” وهذا محمول أيضًا على من به استغراق في المحبة، وشدة الشوق الذي يحمله على الشغف الذي يحصل للمحب قد يستغرقه حتى يكون ما يفعله لا يُلام عليه، فإنه قد تعتريه حالات لا يطيقون دفعها إلا بأن يحدث منهم فعل ذلك “
والمقصود من ذلك كله الاحترام والتعظيم، والمحبة له صلى الله عليه وسلم والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، فناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه، وناس أناة وتارة يتأخرون، والكل خير ” . ينظر: “تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار” لابن حجر : ٢٦ -٢٨
وقد يوجَّه النهي عن تقبيل القبر النبوي بأن النهي عنه تأدبًا، فليس له علاقة من قريب أو بعيد بمسائل الإيمان والكفر،
وقد نقل ابن حجر عن الحليمي عند الكلام على آداب زيارة القبر النبوي قوله: “يكره إلصاق البطن والظهر بجداره، وكذا مسحه بيده وتقبيله والسجود عليه، بل من الآداب أن يبعد عنه كما كان يبعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان حيًّا ” اهـ.
فالنهي عن ذلك من قبيل الآداب؛ فلا مدخل للكفر والشرك. راجع: “تحفة الزوار”
وأورد ابن حجر أخبارًا في جواز تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأورد عن يحيى بن سعيد شيخ الإمام مالك رضي الله عنه أنه لما أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا. ثم قال: ” قال ابن جماعة: وهذا يبطل ما نقل عن النووي من الإجماع على ترك ذلك. وقال السبكي: إن عدم التمسح بالقبر الشريف ليس مما قام الإجماع على تركه، فإنه ورد في رواية أن مروان بن الحكم رأى أبا أيوب الأنصاري يلزم القبر فأخذ برقبته فالتفت إليه فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، وقد ورد أيضًا أن بلالًا لما قدم لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى القبر الشريف فجعل يبكي ويجزع وجهه إليه ” . ينظر: “تحفة الزوار” ص: ٢١ ، ٢٢.
وعلى ذلك: فتقبيل القبر الشريف جائزٌ إن قصد به التبرك والتعظيم والتوقير له صلى الله عليه وسلم .
الرأى الثانى :
يرى أن التمسح بقبره صلى الله عليه وسلم- من البدع التى أحدثت فى الدين .
وقالوا إن هذا الفعل لم يرد فيه حديث واحد عنه صلى الله عليه وسلم
و لم يثبُت عن الصحابة – رضى الله عنهم – أنهم كانوا يتبَرَّكُون بالتمسُّح بقبرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو تَقبيلِه -رغمَ حُبِّهم الشديدِ له – صلى الله عليه وسلم- وتبرُّكِهم به في حَياتِه بجَسَدِه، وما يخرُجُ منه مِن عَرَقٍ ودم الحجامة وغيره وبآثارِه بعدَ انتقاله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان التبرُّك بالتَّمسُّحِ بالقَبرِ من جِنسِ هذا، لفَعلوه بعد انتقاله – صلى الله عليه وسلم-
ويرى هؤلاء أن من أجاز التمسح بقبره صلى الله عليه وسلم والتبرك به قد استدلوا بآثار ضعيفة تارة وموضوعة تارة أخرى .
وقد استدل هؤلاء على على عدم جواز التمسح بقبره صلى الله عليه وسلم والتبرك به بما جاء عن أهل العلم ومن ذلك
قول الشيخ خليل المالكيُّ : “روى ابنُ وهبٍ في المختصَرِ قال: سُئِلَ مالكٌ: من أين يقِفُ من أراد التَّسليمَ؟ فقال: مِن عندِ الزاويةِ التي تلي القِبلةَ مِمَّا يلي المِنبرَ، ويَستقبِلُ القبلةَ، ولا أحِبُّ أن يمسَّ القبرَ بيَدِه ” التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب ٢ / ١٠١ ط ابن حزم .
وممن يرى ذلك من المالكية أيضا ابنُ الحاج المالكيُّ حيث يقول : ” فترَى مَن لا عِلمَ عنده يطوفُ بالقبرِ الشريفِ كما يطوفُ بالكعبةِ الحرامِ ، ويتمسَّحُ به، ويُقَبِّله ، ويُلقون عليه مَناديلَهم وثيابَهم ؛ يَقصِدون به التبَرُّك ، وذلك كلُّه من البِدعِ ؛ لأنَّ التبركَ إنما يكون بالاتِّباعِ له عليه الصَّلاةُ والسَّلام ، وما كان سَببُ عبادة الجاهلية للأصنام إلَّا مِن هذا الباب ” المدخل ١ / ٢٦٢ .
ويرى بعض الشافعية عدم جواز ذلك ومن هؤلاءالإمام الغزاليُّ حيث يقول :
” ليس مِن السُّنةِ أنْ يَمسَّ الجدارَ، ولا أن يُقَبِّله، بل الوقوفُ مِن بُعد أقربُ للاحترامِ ” إحياء علوم الدين .
وقال تقيُّ الدِّين السبكيُّ : ” وإنَّما التمسُّحُ بالقبر وتقبيله، والسجودُ عليه، ونحو ذلك: فإنَّما يَفْعَلُه بَعضُ الجهال، ومَن فعَل ذلك يُنكَر عليه فِعلُه ذلك، ويُعَلَّم آدابَ الزِّيارة..” شفاء السقام فى زيارة خير الأنام ٣١٢ .
وقال الإمام السيوطيُّ ” ومِن البِدع أيضًا:
… طوافُهم بالقبرِ الشريف، ولا يحلُّ ذلك، وكذلك إلصاقُهم بُطونَهم وظُهورَهم بجدارِ القَبر، وتقبيلُهم إيَّاه بالصُّندوق الذي عند رأسِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومسْحُه باليد؛ وكل ذلك مَنهيٌّ عنه ” الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع جلال الدين السيوطي .
وبعد عرض الأراء فى المسألة
يقول فضيلة الأستاذخالدنصرعميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية:
أنّه يجوز التمسح بقبره صلى الله عليه وسلم إذا قصد به التبرك والتعظيم والتوقير له صلى الله عليه وسلم لأن من يفعل ذلك غلبه الشوق والمحبة له عليه الصلاة والسلام، ولا يلام على ذلك .
وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم .
فاللهم ارزقنا محبته ومتابعته وزيارته عليه الصلاة والسلام.