ads
رئيس التحرير
ads

” حريص عليكم “(٣).الإسلام .. وبناء الإنسان بقلم🖊 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية

الجمعة 13-09-2024 16:04

كتب

لقد جاء الإسلام مصدقًا للرسالات والشرائع السماوية السابقة عليه،
فأكد على بناء الإنسان في نفسه وعقله، في فكره وعقيدته، في حضره وسفره، في تعليمه وتعلمه، في معارفه وثقافته، في أدبه وأخلاقه قال الله تعالى: “( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)” سورة الشمس” ، وقال أيضا: ” وإنك لعلى خلق عظيم” سورة القلم آية “4”، فالله – عز وجل- كرم الإنسان أعظم تكريم وحفظه بتعاليم الشريعة والدِّين، ومده بأسباب التزكية والتكوين العقلي والفكري والبناء المعرفي والنماء والعطاء، ورزقه من الطيبات المتنوعة، وفضله على كثير من خلقه، تكريمًا وتشريفًا وتفضيلًا، قال تعالى:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }[الإسراء:70]، لذا فقد وجب صون الإنسان وحفظه من التعدي، على نحو يضمن له البقاء الآمن ليؤدي مهمته الرئيسة في الحياة والبناء متعدد الأطوار والمراحل، ويجعل من نفسه الواحدة أنفسًا متعددة، في حال النفع وفي حال الاعتداء على حد سواء، بحيث إذا أزيلت نفس واحدة كان ذلك بمثابة إزالة أنفس متعددة، قال تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…}[المائدة:32]، وما كان ذلك إلا تجسيدًا لاستبقاء بناء الإنسان في أطواره المتتابعة ومراحله المتعاقبة، واستبقاء حصانته في بقاء التكامل الإنساني مع غيره وجنسه، وعليه فقد وجب أن يكون هناك وعي حقيق وعام وثقافة معتبرة من أجل بناء الإنسان وحفظه من التعدى والعبث بمختلف صوره وأشكاله، وهنا يأتي دور مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة في تحقيق منظومة متكاملة لبناء الإنسان، تحقيقًا للنماء المعرفي والتكامل الإنساني في الأوساط المعرفية، والثقافية، والأخلاقية، والصحية، والمجتمعية، وغيرها من الأوساط والمجالات الأخرى، التى تمس الإنسان في سائر أنماطه المعيشية والحياتية، تحصلًا للارتقاء بالنفس البشرية وبقائها على فطرتها السوية، نماءً وأداءً، أخذًا وعطاءً، بيعًا وشراءً، تعليمًا وتعلمًا، من هنا فقد وجب أن تتسع دائرة الثقافة المعنية في المجتمع بنشر الوعي ببناء الإنسان واستبقاء حياته وصون حقوقه المعتبرة ومصالحه المشروعة، وهذا نوع عدل يجب أن ينشر، بيانًا لمقاصد الإسلام في بناء الإنسان، وبيان حرصه على تكامله وصونه، والتأكيد على كونه محلًا للتألف والتراحم، قال تعالى: ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، سورة الأنبياء آية رقم ” 107″، وغير ذلك من الأيات القرآنية التى تدعو إلى نشر الرحمة في البلاد وبين العباد، وهذه الرحمة هي نوع بناء معرفي في الأنفس الصافية، الخالية من الشوائب المذمومة والتصرفات المقيتة، فالتراحم الإنساني المأمور به شرعًا يجب أن يكون له أثره في المجتمعات الإنسانية؛ ليمتزج هذا التراحم بأقرانه وأمثاله وأشباهه من الصفات الحميدة الأخرى، قال سلمان الفارسي لأبى الدرداء عندما كان أبوالدرداء قاضيًا على بين المقدس بفلسطين: “إن الأرض لا تقدس أحدا إنما يقدس المرء عمله” ومن ثم يتضح من ذلك أن الأمر في الحياة المحمودة إنما مرجعه الإنسان نفسه وما يتخلق به في هذه الحياة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء مؤيدًا ومؤكدًا ومبينًا لرسالة الإسلام التى تحث على نشر الأمن والأمان والمحبة والسلام والعدل والإحسان والأخلاق الرفيعة فى الأوساط الإنسانية كلها، وهذه الأمور لا تتأتى إلا من أجل بناء الإنسان، وقد أكد صلى الله عليه وسلم على بناء الإنسان في تعاونه مع غيره عملًا بقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان “، سورة المائدة آيه ” 2 “، وكذا التأكيد على ضرورة سلامته من نفسه وسلامة غيره منه، قال صلى الله عليه وسلم -:” المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم”، (أخرجه البخاري، كتاب الإيمان)، وبهذا يمكن القول إن بناء الإنسان يعد نوع أمانة وحماية من أجل استقامة النظام العام في المجتمع بأسره؛ لما لذلك من إسهام فعَّال في حفظ قيم المجتمع الرئيسة وصون آدابه العامة، ولقد جسد الأزهر الشريف في رسالته العميقة السامية الرسالات الدينية كلها، مؤكدًا على أهمية تحصيل المقاصد العليا للإسلام، وهى مقاصد خمسة بمقابلة أضادضها تصل إلى عشرة، فنقول حفظ الدين فلا إلحاد، وحفظ النفس فلا قتل، وحفظ العقل فلا سكر، وحفظ العرض فلا زنا ولا فاحشة، وحفظ المال فلا سرقة،
فإذا ما توفرت هذه المقاصد مجتمعة في مجتمع ما فقد أضفت عليه رقيًا ساميًا، وتحضرًا عاليًا، وثقافة واسعة، ومعارف متكاملة من أجل بناء الإنسان وصون الأوطان.

بقلم🖊 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم
بقطاع المعاهد الأزهرية
ads

اضف تعليق