مستشار شيخ الأزهر لشئون الوافدين تشهد حفل تخريج الدفعة الأولى من مركز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بدولة «جامبيا»
الأربعاء 20-11-2024 13:23
ضمن فعاليات زيارتها إلى دولة جامبيا شهدت الأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، اليوم الاثنين، حفل تخرج الدفعة الأولى من مركز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها الذي افتتحه وفد الأزهر الشريف قبل عامين.
وقالت الدكتورة نهلة الصعيدي في كلمتها في حفل التخرج: في هذا اليوم الأغرّ، الذي تَزدانُ فيه دولةُ جامبيا العزيزةُ بعطاءٍ جديدٍ مِن عطاءات الأزهر الشَّريف، تخريجَ أوَّلِ دفعةٍ من مركزِ تعليمِ اللُّغةِ العربية الذي أقامه الأزهرُ الشريفُ على أرض هذه البلاد المباركة، نَقِفُ أمام مشهدٍ تتداخلُ فيه معاني الفخرِ بثمرةِ الجهد، ومعاني الرَّجاءِ في غدٍ مُشرقٍ لأمةٍ تبتغي النهضة، مؤكدة أن اللُّغةَ العربيةَ ليست مجرَّدَ كلماتٍ تُكتبُ، أو حروفٍ تُنطَق، بل هي رُوحٌ نابضةٌ تَحمِلُ بين حُروفِها هُويَّةَ أمَّة، وعراقةَ حضارة، وعَبقَ تاريخٍ ممتدٍّ عبر القرون، إنها لغةُ القرآن الكريم، كتابِ الله الذي هزَّ أعماقَ الإنسانية بمعانيه وجماله، وارتقى بالأرواحِ إلى أسمى مراتبِ الكمال، فجاءت العربيةُ حاملةً للبلاغةِ التي عَجَزتْ عنها أفصحُ الألسنة، والبيانِ الذي أذهلَ عقولَ الفصحاء، هي مِفتاحُ الفَهْمِ العميقِ للعلوم الإسلامية، وهي الجِسْرُ الذي تَعبُر عليه معاني الإيمان إلى قلوب المسلمين في كلِّ بقاعِ الأرض، وقد أكرمها اللهُ بكونِها لغةَ القرآنِ الكريم.
وبينت الصعيدي أن اللغة العربية ليستْ مجردَ أداةٍ لنَقلِ الأفكار، بل هي لغةٌ تَحمِلُ روحًا نابضةً ومعانِيَ متجذِّرة، لغةٌ استطاعت أن تَجمعَ بين العقلِ والعاطفة، بين العلمِ والشِّعر، بين الدِّين والحياة، بين الإبداعِ والإعجاز، لغةُ الشِّعرِ الذي صاغتْه قرائحُ الفحول، ولغةُ البيان التي تَزيَّنتْ بها خُطَبُ البُلغاء، مشيرة إلى أن الأزهر الشريف حَملَ على عاتقه منذ أكثرَ مِن ألفِ عامٍ مسئوليةً عظيمةً، تَتجاوزُ حُدودَ المكانِ والزمان؛ مسئوليةَ نَشْرِ العِلم، وتَثبيتِ دعائمِ الدِّين، وإحياءِ اللغةِ العربيةِ بوصفها وعاءً للمعرفة، وحاضنةً للهُويَّة الإسلامية، وجِسْرًا يَصِلُ بين الماضي والحاضر، إنها رسالةٌ سامِيَة، حملها الأزهرُ بوفاءٍ لا يَعْرِفُ الكَلَل، وعَزْمٍ لا يعتريه المَلَل؛ فكان حارسًا أمينًا على تُراثِ الأمَّة، وسفيرًا للعلم والحكمة في كلِّ بقاع الأرض.
وأضافت أن مِن قَلبِ هذه الرسالةِ النبيلة، انطلقت المبادراتُ التي جَعلتْ من الأزهر منارةً يَشِعُّ نُورُها في الظلمات، ومنبعًا للحضارة في زمن التراجع، وكانت اللُّغةُ العربيةُ إحدى أهمِّ الركائزِ التي بُنيتْ عليها هذه المنظومةُ العلميةُ والدَّعوية، وقد أدرك الأزهرُ منذ نشأتِه المباركةِ أنَّ حِفظَ الدِّينِ يبدأُ بحفظِ لُغتِه، لأن اللغةَ ليست مجردَ كلمات، بل هي وِعاءٌ يحمل القِيَم، وجِسرٌ يَصِلُ القلوب، وأداةٌ تحفظ للأمة أصالتَها وهُويَّتها، ومن هذا الإدراك خرجتْ مبادراتُ الأزهرِ الشريف تَحمِلُ على أجنحتِها هُمومَ الأمة وآمالَها؛ لتُعِيدَ للغةِ العربيةِ مكانتَها بين أبنائها، ولتفتحَ أبوابَها أمامَ غيرِ الناطقين بها ليشاركوا في بناء هذا الإرث العظيم.
وأكدت أن إنشاء هذا المركزِ التعليميِّ في دولةِ جامبيا، وفي أقصى غربِ القارة الإفريقية، لهو شاهد حي على عطاءِ الأزهرِ المتجدِّد، وإيمانِه العميقِ بدورِه الحضاريِّ؛ فهذا المركزُ ليس مجردَ مكانٍ لتعليمِ اللغة، بل هو صَرحٌ يُعزِّزُ الهُويَّة، ويُرسِّخُ القِيَم، ويَربِطُ بين الأجيال الحاضرة وميراثِ أُمَّتِهم الذي يَمتدُّ في عُمقِ التاريخ.
وأوضحت الدكتورة نهلة الصعيدي أنَّ الأزهرَ يَسعى في هذا المضمار ليُحقِّق رؤيةً أوسعَ مِن التعليم، رؤيةً تَرنُو إلى بناءِ إنسانٍ مُتصلٍ بجُذورِه، مُدرِكٍ لرسالته، مُستعدٍّ للعطاء في مُجتمعِه، فاللُّغةُ – كما وصفها الفلاسفةُ والأدباء – هي وِعاءُ الفكر، وإذا صَلَحت اللغةُ صَلَحَ الفكر، وإذا صَلَح الفكرُ صَلَحتِ الأمَّة، مضيفةً أن هذه الجهود ما هي إلا حَلقة في سلسلةٍ طويلةٍ مِن عطاءات الأزهر، الذي ظلَّ على مرِّ العصور منارةً تَحمِلُ مشاعِلَ العلم، ومحرابًا تتلاقى فيه الثقافات، ومِنبرًا يُوصِّلُ رسالةَ الإسلامِ السَّمحةَ إلى العالَم، والأزهرُ – بهذا العمل – لا يُقدِّم تعليمًا تقليديًّا، بل يُحيي في القلوب الأمل، ويَزرعُ في العقول بُذورَ النهضة، لِيُؤكِّدَ أن اللغةَ العربيةَ هي شِرْيانُ الحياة الذي يَنْبِضُ في جَسدِ الأمَّة.
وأشارت إلى أنه عندما نتحدَّث عن جُهودِ الأزهرِ الشريفِ في إفريقيا والعالم فإننا نتحدَّث عن مِصرَ بعظمتِها وأثرِها الفاعلِ في المنطقة، هذه الدولةُ التي حَملتْ لِواءَ الحضارةِ الإسلاميةِ عبر التاريخ.لقد كانت مصرُ ولا تزال داعمةً للقارةِ الإفريقيةِ في كلِّ مراحلِها، مِن النِّضالِ من أجل الاستقلال إلى بناءِ المستقبل، كانت ولا تزال حاضنةً للعلماء والمفكِّرين، ومركزًا للنهضة الفكرية والثقافية، ومصدرًا للإشعاع الحضاري الذي وصل إلى كلِّ بُقعةٍ في إفريقيا.
تأتي زيارة مستشار شيخ الأزهر إلى جامبيا في إطار المتابعة الميدانية لجهود الأزهر الشريف في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في غرب إفريقيا، وبالأخص دولة جامبيا، التي افتتح فيها وفد الأزهر الشريف قبل عامين مركز تعليم اللغة العربية، وتشهد الزيارة تخريج الدفعة الأولى من مركز تعليم اللغة العربية في جامبيا، التي تضم ٦٨ طالبًا وطالبة، كما تشمل متابعة الطلاب الجدد الملتحقين بالمركز، وعددهم ٤٠٠ طالب وطالبة.