كونوا مفاتيح للخيرِ، مغاليق للشربقلم /محمد صبحي عضو هيئة تدريس بكلية الإعلام جامعة الأزهر
السبت 03-09-2022 12:13
لايشكّ أحد في مدى الخطر الّذي تتركه الكلمة على حياة الإنسان كفرد،أو على استقرار المجتمعات والأوطان،
فبدلاً من أن تكون، كما أريد لها، أداةً للتواصل بين الناس،
وتفاعل الآراء والأفكار، وبثّ روح المحبّة والتّآلف، وبعث الخير في النفوس، تتحوّل إلى أداة لزرع الفتن والأحقاد والتوترات،
أو لنشر الفساد والانحراف والرّذيلة، وهو أمر يزداد بعد تطوّر وسائل الإعلام والتّواصل،
حيث لم يعد للكلمة حواجز تقف عندها على مستوى الزَّمان والمكان، وخير مثال علي تلك الحكمة المتداولة:
إن رجلاً طلب من ابنه أن يغرس مسماراً في جدار ففعل،
ثم طلب منه أن يقلعه من الجدار ففعل أيضاً،
فقال له: يا بني هكذا الكلمة السيئة قد تتمكن من إزالة شيء من آثارها، ولكنها تترك في النفس جروحاً عميقة.
ولقد أكد القرآن الكريم على أنّ الإنسان محاسب على كل ما يتفوّه به من كلام،
وكل كلمة محسوبة عليه، يقول تعالى:
﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ18 ق﴾
لذا فلا بدّ من التفكّر والتدبّر قبل إطلاق العنان للّسان بالكلام،
لأن كثيراً من الكلام أورث صاحبه الندامة. لأنها هي عنوان الإنسان، فالكلمة الخبيثة، أخطر ما يهدد كيان المجتمع الواحد،
فهي تؤدي إلى نشر الفتنة وكل ذلك يؤثر في استقرار الوطن. فبالكلمة تسعد الأمة،
وتشقى أمم وشعوب، وتحفظ وتصان الأعراض، وتهدر وتراق الدماء. لأن الكلمة الخبيثة جريمة ضد أمن المجتمع،
وصاحبها مرتكب لجرم كبير في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثير للاضطراب والفوضى. فكمْ من شائعة أشعلت من حروب،
وكمْ أوغرت من غل وحقد في الصدور، وكمْ خربت من بيوت، وفي عالمنا المعاصر الذي يشهد تطوراً تقنياً في وسائل الاتصال أصبحت الإشاعة أكثر رواجاً وأبلغ تأثيراً.
ومطلقو الإشاعات سماهم القرآن مرجفين، لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس. قال تعالى:
«لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لغرينك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً (الأحزاب: 60).
وقد أوجب الإسلام التثبت من الأخبار والإشاعات عند انتشارها في المجتمع،
ودعا إلى عدم ترديد الإشاعة وعدم الخوض مع الخائضين،، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»، ونحن بحاجة إلى أن نفتح القلوب بدلاً من أن نغلقها، وأن نطفئ نيران العداوة والبغضاء بدلاً من أن نوقدها،
وأن نؤلّف بين النفوس بدلاً من أن نباعد بينها، وأن نوصل كلمة الحقّ والخير بدلاً من أن نبعِّد عنها يقول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: «من كثر كلامه كثرت سقطة»
وأثر الكلمة الطيبة على الإنسان من الخصال الجميلة عليه أن يَتَحَلَّى بالأخلاق الفاضلة، وألّا يَتَكَلَّم إِلَّا في محضر الخير وَيَتَحَرَّى أن يكون كلامه نافعاً له وَلِلنَّاسِ وَإِلَّا ألتزم الصمت الذي يحمي الوطن الَّذي لا يزال المصباح المضيء متمثلةً بالذين يسهرون على أمن البلد؛ هؤلاء الذين تظلّ عيونهم مفتوحة لحماية حدوده من عدوّ غادر، والقضاء على تفكيك الخلايا الإرهابية،
أو السّعي لإنهاء البؤرة المتبقية بعد أن أصبح واضحاً خطر استمرار وجوده.
فإن الكلمة لها أثر على أمن البلاد الذي لا يهم طائفة من الناس بعينها، إنما يهم كل طوائف المجتمع؛
لأننا على يقين أنه كلما كان الأمن مستتباً والأمر مستقراً أثمرت دعوته، ولا يظن أحد أن الأمن في البلاد يقتصر على طائفة دون طائفة، كلا! ورغم ذلك يظلّ على عهده وميثاقه ورمزا طاهرًا زكيًّا للمجتمع وقلعةً حصينةً عصيّةً على الاختراق والاختطاف من أي جماعة أو تنظيم، وسيظلّ على عهده وميثاقه سندًا متينًا للوطن، وركنًا أصيلًا في دعم الدولة،
وشريك مخلص في بناء الجمهورية المصرية الجديدة، بجهود وسواعد قياداته من أبناء مصر المخلصين.
فالكلمة تعمل توحيدا على كلمة المصريين، وجمع شتاتهم، وسعى إلى جمع كافة أطياف الوطن على اختلاف انتماءاتهم؛ على مائدةٍ واحدةٍ، وحفظ للوطن هيبته وأمنه واستقراره،
وإرساء مبدأ الحب والأمانة، ومكافحة فوضى العنف والتطرف والإرهاب من خلال قطاعاته المختلفة. ولقد جعل الله- عز وجلّ- حماية الأوطان والدفاع عنها جهاداً في سبيله. كما أكدت وثيقة المدينة مفهوم الوحدة والعدالة بين أفراد المجتمع، كما كفلت لغير المسلمين حقوقهم وتسامحت معهم وبينت لهم واجباتهم. ويتمثل واجب الإنسان تجاه مجتمعه أن يتكلم بالطيب وأن يبذل الجهد لاستثمار مكنونات نفسه وأن على إشاعة المحبة بين الناس، وحب الخير لهم، كما في قوله: صلى الله عليه وسلم «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيهِ مَا يحبُّ لنفسِهِ». لأنها سلاح ذو حدين قد تكون أداة للخير أو الشر، فلها أثر على النفس تحيي قلوباً أذابها الغضب وتبث فيها الخير، فتضيء عتمتها تعود بالنفع والخير على صاحبها فهي غذاءٌ للروح وشفاءٌ لأمراض النفس. تسعد القلوب،
وقادرةٌ على زرع الألفة وتقوية الروابط بين اَلنَّاس، وإصلاح المجتمعات، وتغيير أحوالها، وقد عِلْمنَا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ندفع بالحِلم وطيب الكلام كَلَّ جاهلٍ،
ونعفو عن إساءة المسيء، وبهذا تسود الألفة بين اَلنَّاس، وَتَقِلّ العداوات، و “إِنَّ من اَلنَّاس مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ لِلشَّرِّ،
وَإِنَّ من اَلنَّاس مفاتيحَ لِلشَّرِّ، مغاليق للخير”، فهنيئا لمن كانت كلماته مفتاحاً للخير.