ads
رئيس التحرير
ads

منهج الأزهر الشريف صلاحية لكل  زمان ومكان بالسند المتصل مدرسة الإمام الأكبر الشيخ شلتوت نموذجاللأستاذالدكتور/ محمد عبد الدايم الجندي الإسنوي وكيل كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة للدراسات العليا والبحوث

الجمعة 02-12-2022 22:13

كتب

الحمد لله الذى فتح بمفاتح الغيوب أقفال القلوب، وعجزت العقول عن إدراك كنه ذاته، وتاهت فهوم الفحول فى أنوار معرفة صفاته، أحمده حمد من إليه يئوب، وعن ذنبه يتوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد بألوهيته، الأزلى بأوليته، الأبدى بآخريته، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله شهادة تقطع بها الظنون والأوهام، وتأنس بها أرواحنا بمحبة سيد الأنام r وعلى آله، وأصحابه الأئمة الهداة الأعلام، الذين بذلوا جهدهم فى إحياء ملته واتباع سنته، واقتفاء أثاره وسيرته، فقلدهم الله تعالى لطائف مننه، وفتح لهم من مكنون علمه موائد نعمه، ونور بواطنهم بلآلئ شيمه .

أما بعـد ؛؛؛

فإن مطالعة فكر الكبار من المجددين أصبح ضرورة ملحة في هذا العصر، وإذا ذكر المجددون تصدر في الصف الأول العقد النفيس المنتظم بالسند من أئمة الأزهر الشريف، فالأزهر حمل على كاهله مسؤولية التجديد منذ تأسيسه، ويتوقل سيدي الامام الاكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر معارج التجديد ويتسنمها في عصر مني بالتحديات الجسام احتاجت حقاً إلى ذاكرة الشيخ الإمام التي انتقعت بالعلم والتناغم الحياتي والعلمي تحت  قبة الأزهر الشريف، يقول الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾التوبة : 122.

إن سيدي الامام الاكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر كان من هؤلاء الذين تفقهوا في الدين ليحرضوا المؤمنين على ما ينفع فى الآخرة ودرجاتها العلية، ويكشفوا عن صلاحية تنفيذ مضامين الشريعة إثباتا لصلاحيتها للهيمنة على تجديد يتناغم مع نصوصها بأنوارها السنية، ويلتقطوا من موائد فوائد التأدب بالآداب النبوية، بعيدا عن كل تجديد يصطدم مع ثابت النص الشرعي وراسخ الوحي الإلهي، فالإمام الأكبر الشيخ شلتوت أقام تصوره التجديدي من واقع الشريعة العراء ومعالجة قضايا العصر في ضوئها، وكان ينطلق فى الفتوى من المقاصد العامة للشرع الحنيف، مبينا أن الشرع الحنيف نفسه يحمل التوجيهات المنضبطة للتطور والتجديد.

وسيدي الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت أول من لقب بالإمام الأكبر الذي مثل نبراساً يضئ الطريق إلى العلم والمعرفة، فذكر ليأخذ بيد الحيارى والتائهين في رحلتهم للتعرف على دورالأزهر الشريف في مخاطبة العصر – أي عصر – وقد شهد عصر فضيلة الإمام إصلاحا وتجديدا أحدث نقلة نوعية فى كافة المجالات، إلى أن صدر القرار الجمهورى بتطوير الأزهر فى عهده، اقترن اسمه بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، ونبذ التطرف والانحراف عن مضمون النص بإفراط أو تفريط.

وكان الاجتهاد والتجديد سمتين مميزتين ومعلمين بارزين فى شخصية الإمام طيب الله ثراه، بالإضافة إلى كونه صاحب الأسلوب المتميز فى التفسير، وعرض آيات القرآن الكريم بطريقة موضوعية ساهمت فى إبراز لون جديد من ألوان التفسير مكنون في مضامين الآيات لا يلتقط درره إلا أهل الفتح والمنح، وهو التفسير الموضوعى الذى يعتمد على جمع الآيات التى تشترك فى موضوع واحد، ودراستها دراسة موضوعية، وفقا للمنهج الموضوعى فى التفسير، بقطع النظر عن الترتيب المصحفى حتى نخرج بموضوع شامل متكامل من خلال القرآن نفسه، كما عنى الشيخ شلتوت (رحمه الله) فى تفسيره بإبراز الوحدة الموضوعية، والمحور الرئيسى الذى تدور حوله آيات كل سورة، وقد حمل تفسيره للقرآن الكريم إضاءات ذات معانٍ ودلائل متصلة بعصرنا الحاضر، بالإضافة إلى توجيهات وإشارات علمية وتربوية وفلسفية واجتماعية بأسلوب واضح لا يستغلق على الأفهام. ولا نملك ونحن أمام هذه الشخصية العظيمة لشيخ من شيوخ الأزهر الشريف؛ وقد وُلِد الشيخ محمود شلتوت بقرية منية بنى منصور بمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة فى ٢٣ أبريل ١٨٩٣. وقد حفظ القرآن الكريم وهو في نعومة أظفاره  بمعهد الإسكندرية الأزهرى عام ١٩٠٦م، وتعمق بشغف في دراسة عمودية لعلوم الأزهر الشريف، وفي مقدمتها التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، ثم حصلعلى شهادة العالمية الأزهرية سنة ١٩١٨، ثم نقله فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى فى ٢٢ مايو ١٩٢٨ إلى القسم العالى بالأزهر، ثم أسند إليه تدريس الفقه في أقسام التخصص،وهي رتبة علمية عالية لا يصل إليها إلا المتفردون في الأزهر الشريف، ثمّ عضواً ضمن كبار العلماء.

سلك سبيل الإصلاح ونشر رؤيته في الصحف اليومية والمجلات، وثم عين مدرساً بكلية الشريعة، وعينه الشيخ المراغى وكيلاً للكلية فى أبريل سنة ١٩٣٧. وفى سبتمبر ١٩٣٨ وكان الشيخ شلتوت قد ألقى فى سنة ١٩٤٢ محاضرته الإصلاحية فى السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر وكان لها تأثير كبير فى الأوساط العلمية.

وقد أضاف الشيخ شلتوت رحمه الله، في مجال التجديد  الكثير والكثير، ومن ذلك ما سطره في بحثه الذي قدمه في مؤتمر “لاهاي” للقانون الدولي المقارن سنة 1937م، وكان تحت عنوان “المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية” ونال البحث استحسان أعضاء المؤتمر، فأقروا صلاحية الشريعة الإسلامية لصياغة رؤية تجديدية تتناغم مع تطور الحياة، واعتبروها آنذاك في ثلاثينيات القرن العشرين، وفي عز وجود الاستعمار في مصر وفي شتى أرجاء العالم العربي والإسلامي، مصدرًا من مصادر التشريع الحديث، وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية، ونال بهذا البحث المتفرد، عضوية جماعة كبار العلماء. كما ينسب للشيخ شلتوت أفكاره التنويرية، وكان أول من نادى بتشكيل مكتب علمى للرد على مفتريات أعداء الإسلام،  وكانت هذه الدعوة مقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.

وفى سنة ١٩٤٦ صدر قرار بتعيين الشيخ محمود شلتوت عضواً بمجمع اللغة العربية، كما انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى سنة ١٩٥٠ لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، كما عين فى نفس العام ١٩٥٠ مراقباً عاماً لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، وعضواً فى اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضواً فى المجلس الأعلى للإذاعة، وكان أول من ألقى حديثاً دينياً فى صبيحة افتتاح إذاعة القاهرة ورئيساً للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية وعضواً فى اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضواً فى لجنة الفتوى بالأزهر ومستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى سنة ١٩٥٧ ووكيلاً للأزهر والمعاهد الدينية فى ٩ نوفمبر ١٩٥٧ وعضوا فى مجمع البحوث الإسلامية فى ٣١ يناير ١٩٦٢. ثم شيخاً للأزهر.

وفي سنة 1958م، وبعدما صدر قرار تعيينه شيخًا للأزهر الشريف، سعى الشيخ شلتوت جاهدًا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وزار الكثير من بلدان العالم الإسلامي، وقد كان مؤمنا أشد الإيمان بضرورة القضاء على الخلاف بين المذاهب الإسلامية، ويعتبر أول من أدخل دراسة المذاهب في الأزهر الشريف، فقد كان مع توحيد المسلمين ولم شملهم، وصدر قبل وفاته قانون إصلاح الأزهر الشريف سنة 1961م. كما دخلت في عهده العلوم الحديثة إلى الأزهر، ولم تعد الدراسة في الأزهر الشريف، من وقتها مقتصرة على العلوم الدينية فقط وأنشئت العديد من الكليات، وارتفعت مكانة شيخ الأزهر، ومكانته كعالم بارز من علماء الدين الإسلامي في مختلف البقاع.

اهتم الشيخ محمود شلتوت بإصلاح الأزهر الشريف وتطويره من خلال ما يلي: إنشاء تخصصات جديدة لم تكن متاحة لأبناء الأزهر قبل ذلك. وإنشاء معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهرى والعام. وفتح معاهد القراءات. وفتح معهد البعوث الإسلامية. وفتح معهد الإعداد والتوجيه الذى يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية، كما يدرس فيه الطلاب المتخرجون فى الأزهر والذين أجادوا اللغات ــ بعد مسابقة تعقد لهم ــ والمتخرجون منه يوفدون فى بعثات علمية أو فى بعثات إلى البلاد الإسلامية التى لا تتكلم اللغة العربية. وإدخال الكليات العملية إلى جامعة الأزهر وزيادة البعثات الأزهرية للدول الأوربية. وزيادة بعثات الأزهر للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد. وتدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر. وافتتاح معاهد الفتيات لأول مرة فى تاريخ الأزهر فصدر فى ٩ يناير ١٩٦٢ أول قرار بإنشاء معهد أزهرى للفتيات ــ وهو معهد فتيات المعادى. وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية. وإقامة مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم. والعمل على الحفاظ على كرامة الأزهر ومكانة مشيخته. وتنظيم جامعة الأزهر بما يحقق أهدافها ورسالتها، فى التواصل مع الدول الإسلامية. وإدخال اللغات الأجنبية؛ حتى يستطيع خريجوا الجامعة القيام برسالتهم فى جميع أنحاء العالم على الوجه الأكمل. وتطوير مناهج الكليات الشرعية. وقيام الأزهر فى عهده بنشر التثقيف وغرس القيم الإسلامية الصحيحة من خلال نشاط بارز فى المراسم الثقافية التى كانت تقام فى قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر وكان يشارك فيها كبار رجال الفكر والاجتماع فى العالم العربى والإسلامى.

وللشيخ محمود شلتوت العديد من المؤلفات المهمة، منها: فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، ويسألونك ، وهى مجموعة فتاوى، ومنهج القرآن فى بناء المجتمع، ورسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية، والقرآن والمرأة، وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية، والإسلام والوجود الدولى للمسلمين، وتنظيم الأسرة، ورسالة الأزهر، وإلى القرآن الكريم، والإسلام عقيدة وشريعة، ومن توجيهات الإسلام، والفتاوى، وتفسير القرآن الكريم الأجزاء العشرة الأولى.

والشيخ ” شلتوت ” بالإضافة إلى كونه مجددا كان زاهدا  يدعو إلى الله على بصيرة، فكان له من العمق الروحي ما استفاض به حديث الكبير والصغير، والعام والخاص، إنه بلغ فى التربية الروحية مبلغاً عظيماً لا يبارى، وسما فى مجال الدعوة إلى الله تعالى حتى عانق القلوب بدعوته، واستنبه الهمم لهمته.

وانتقل الشيخ شلتوت إلى رحمة ربه مساء ليلة الجمعة(ليلة الإسراء والمعراج) وأدَّى المصلون عليه صلاة الجنازة بالجامع الأزهر في السابع والعشرين من شهر رجِب سنة 1383 هـ الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963 م.

رحم الله فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت ورحم علماء الأزهر وحفظ الأزهر شامخا ومجددا في عهد فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب .وصلي اللهم علي سيدنامحمدوعلي آله وصحبه وسلم تسليماّكثيرآ.

أ.د.محمد عبد الدايم الجندي الإسنوي وكيل كليةالدعوة الإسلاميةبالقاهرة

للدراسات العليا والبحوث

 

ads

اضف تعليق