الأستاذالدكتور غانم السعيد عميد كليتي الإعلام واللغة العربية السابق يكتب:اسأل الله ما شئت، لما شئت، ومن شئت،وأنت موقن بالإجابة.
السبت 24-12-2022 09:56
عندما ترى أن كل الأسباب العقلية والمنطقية، والفطرية قد انقطعت، فلا تقطع رجاءك مع الله لأنه هو الخالق للكون ومدبر أموره، له مقاليد السموات والأرض، وكل الأسباب بيده، يعطي بلا أسباب، ويمنع بلا أسباب، لا يُسأل عما يفعل، المهم عند سؤالك أن تكون ممتلئا يقينا بريك، وأن تحسن الظن به، فلا تتردد أن تطلب ما تشاء، في أي وقت تشاء ولمن تشاء من غير تحديد لسقف ما تريد، فإنك تدعو كريما، خزائن رحمته لا ينفذ منها عطاء، وخذ ممن سبقوا من الرسل والأنبياء، وعباده الصالحين عبرة وعظة، وطموحا ويقينا.
فزكريا عليه السلام قد اشتعل شيب رأسه، ووهن عظمه، وامرأته عاقر- أي أنه انتهت كل الأسباب التي تجعله من الممكن أن ينجب ولدا- وهو إنسان وله رغبات وأمان، ونفسه تتوق إلى أن يترك من بعده ولدا يحمل اسمه، ويرث ما عنده، ولكن زكريا – عليه السلام – لم يعبأ بذهاب كل الأسباب العقلية والمنطقية والفطرية التي تمكنه من الإنجاب، وبيقين كامل في ربه الكريم، صاحب العطاء الفياض، الذي لا يرد يدا ارتفعت تتضرع إليه، ولا لسانا دعاه بإخلاص فلم يستجب له، فقال مناجيا ربه، {…رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [ سورة مريم : 4 إلى 6 ]
لقد قال زكريا لربه أني أعلم أن كل الأسباب التي تجعل من تحقيق طلبي ذهبت وأصبح تحقيق طلبي في عرف الخلق مستحيلا، ولكن يقيني بك وطمعي فيما عندك جعلني أرى المستحيل معك واقعا مؤكدا. فقد ألهمه ما رآه من قدرة الله مع مريم حيث تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف بلا حول منها ولا قوة، مما دفعه إلى أن يطلب من ربه ما يظنه البشر مستحيلا، قال تعالى:{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } [ سورة آل عمران : 38 ].
وبمجرد أن انتهى زكريا من دعائه، وقبل أن يجف ماء كلامه، جاءته البشارة التي أدهشته، والمنحة التي رطبت قلبه، وحققت له أمله: حيث{…نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)} [ سورة آل عمران : 39 إلى 40 ]، فإذا شغلتك الأماني والرغبات ورأيت أن أسباب العقل والمنطق والفطرة تقول لك لم يعد هذا وقتها ولا أوانها فقد تجاوزها العمر وتخطتها القدرات والإمكانات، فارفع يد الضراعة لربك وناجه بما في قلبك وأنت ممتلئ يقينا بأنه لا يعجزه عاجز، ولا يمنعه مانع، فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
ولا يخدعنك الشيطان حينما يوسوس لك بأن هؤلاء أنباء ورسل ورجال من الصالحين، فإن ربك حينما قطع على نفسه الوعد بإجابة الدعاء لعباده لم يخص بذلك طائفة من خلقه، وإنما جعل الإستجابة عامة للناس جميعا، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ سورة البقرة : 186].
والحمد لله أولا وآخر.