أ.د.عصمت رضوان وكيل كلية اللغة العربية بجرجايكتب:فصل الشتاء بين برودة الجو ودفء العبادة :
الثلاثاء 27-12-2022 20:17
يأتي فصل الشتاء في كل عام ، وتأتي معه الظواهر الجوية القاسية ، من برودة وصقيع ، وأمطار وسيول ، وتكوُّن للجليد في بعض المناطق . هذي الظواهر الشديدة قد تمر على بعضنا مرور الكرام، بينما تمر على بعض الناس كأقسى مايكون نظرًا لظروفهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة. وإذا نظرنا إلى فصل الشتاء من منظور عبادة الله عزوجل _ لوجدنا الأمر مختلفًا ، فالشتاء هو ربيع المؤمن ، وموسمه المثالي للطاعة والعبادة. أخرَّجَ الإمامُ أحمَدُ عن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: (الشِّتاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ)، وأخرَجَهُ البيهقيُّ وَزَادَ فيهِ: (طَالَ لَيْلُهُ فقامَهُ وَقَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ). ورَوَى التِّرمِذِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عَامِرِ بِنِ مَسعودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ (الغنيمَةُ البَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ) . وكانَ أبو هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ (أَلا أَدُلُّكُمْ علَى الغنيمَةِ البَارِدَةِ) قَالُوا بَلَى، فَيَقُولُ (الصِّيامُ فِي الشِّتَاءِ) ومعنَى الغَنِيمَةِ البَارِدَةِ أي السَّهْلَة، ولأنَّ حرارَةَ العَطَشِ لا تَنَالُ الصَّائِمَ فيهِ. وثبتَ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ الله عنه أنه قالَ (الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ العَابِدِينَ) رواهُ أَبُو نُعَيْم بِإِسنادٍ صحيحٍ. وعنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ (مَرْحَبَا بِالشِّتَاءِ تَنْزِلُ فيهِ البَرَكَةُ وَيَطُولُ فيهِ الليلُ لِلْقِيَامِ، ويَقْصرُ فيهِ النَّهَارُ لِلصِّيَام). وللهِ دَرُّ الحَسَنِ البصْرِيِّ حين قال: (نِعْمَ زَمَانُ المؤمِنِ الشِّتَاءُ ليلُهُ طويلٌ يَقُومُهُ وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ يَصُومُهُ). فنظرة العابدين إلى الشتاء نظرة مختلفة ، فهم يرون فيه فرصة مواتية للطاعة والعبادة، وتحصيل الأجر والثواب. يقول الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه “لطائف المعارف”: “إنما كان الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزّه قلبه في رياض الأعمال الميَسَّرة فيه، كما ترعى البهائم في مرعى الربيع فتسمنُ وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسّر الله -تعالى- فيه من الطاعات”. ففصل الشتاء يزداد فيه أجر المؤمن، لازدياد مشقة العبادة فيه . وإلى جانب هذا ، فإن الشتاء فرصة للتدبر في آيات الله عزوجل، والاستدلال على عجائب قدرته سبحانه في تبديل الأحوال ، وتغيير الأجواء . وفيه دعوة للتأمل في مدى ضعف الإنسان وعجزه أمام القدرة الإلهية ، فقليل البرد يؤذيه ، وبعض الصقيع يمرضه . ومما يُنسب إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه: جسمي على البرد ليس يقوَى ..ولا على شدة الحرارة فكيف يقوى على جحيم .. وقودها الناس والحجارة؟! . وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن للبرد فوائد لصحة الإنسان ، تتمثل في تنشيط الجهاز المناعي ، وزيادة النشاط العقلي، والتخلص من الدهون الزائدة في الجسم . وفي الشتاء _ أيضا فرصة لإحساس الغني بالفقير ، ومعاونته له إن استطاع بما يحميه من أذى برد الشتاء من الملابس، وبما يسد جوعه فيه من الطعام. وعلى هذا ففصل الشتاء هو فرصة للطاعة ، وزمان للعبادة ، وموسم لتحصيل الأجر والثواب، من لدن الكريم الوهاب.