الرئيسية آخرالاخبار آراءحرة أحداث عالمية أخبار العالم أخبار عاجلة أخبار عالمية إجتماعيات الرأى الصفحة الأدبية الصفحةالدينية الصفحةالرئيسية بأقلامهم صحافة عالمية
أ.د.محمد عمر أبوضيف: أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقدبكلية الدراسات الإسلامية والعربيةبسوهاج ،وعميد الكلية سابقايكتب :بين البركة والوفرة!
الأحد 12-02-2023 17:37
ما أحوجنا في زمننا هذا إلى البركة التي نفتقدها؛ فمع وجود الوفرة في كل شيء، -وإن كذب الناس، وزعموا القلة التي تناقضها، وتكذبها- البَرَكَة الربانية التي حلَّت على هذه الأرض قبل أن يستخلف اللهُ الإنسان فيها بملايين السنين، قال تعالى:
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} فصلت.
وفي زمننا قد زرعت الصحراوات ، وظهرت الزراعة الحديثة، والتي صارت تستخدم تقنيات حديثة؛ فصارت تزرع كل المحاصيل دون التقيد بزمان، ولا مواسم، وصاروا يستخدمون التكنولوجيا في تكثير المحاصيل، ومضاعفاتها؛ بما يتسع للبشر وزيادة، ومع هذا يظهر الجوع، والفقر والندرة والقلة؛ لقلة البركة وضياعها. والبركة كما عرفها الراغب: هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء . قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ الأعراف ، وسمي بذلك؛ لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البِرْكة، وقال صاحب الصحاح: وكل شيء ثبت وأقام فقد برك، والبَرْك الإبل الكثيرة، والبِرْْكة بكسر الباء كالحوض، والجمع البِرَك. ذكره الجوهري قال: يقال وسميت بذلك لإقامة الماء فيها، وهي مع الثبات تحمل معنى النماء والزيادة، والتبريك الدعاء بذلك، ويقال باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له،
قال -تعالى-: ﴿ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾النمل ، وقال تعالي: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ الصافات ،
وقال تعالي﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ الأنبياء، وجاء على لسان سيدنا المسيح -عليه السلام- ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ مريم، وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم- : وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ. وفي حديث عبدالرحمن بن عوف أنه قال لسعد بن الربيع -رضى الله عنهما- : بارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى باكورة الثمر دعا الله -تعالى- وسأله البركة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَفِي ثِمَارِنَا، وَفِي مُدِّنَا، وَفِي صَاعِنَا؛ بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ، ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ. رواه مسلم ،وقد وصف الله -تعالى- كتابه بالبركة، و نعته بذلك؛ لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه.
فالبركة: هي النماء، والخير والزيادة، وأن يعطيك الله ما يكفيك، ويغنيك، ويثبت ذلك لك، فلا تحتاج لغيره، ولا يذلك العوز ، وتكسرك الحاجة لسواه، فالبركة ثبوت الخير ودوامه ، قال ابن الأثير -رحمه الله- عند شرحه ما جاء في حديث الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- { اللهم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ}أي: أثبت له، وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة…، والبركة كثرة الخير وزيادته، قال ابن القيم -رحمه الله-: فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته، وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة.
وهناك مثال يقرب معنى البركة، ويوضحها، وهي الفرق بين الغنم، والكلاب، فالغنم تمثل البركة ،والكلاب تمثل الوفرة، فالغنم الغالب على ولادتها واحد، وإن زادت إلى اثنين، وما زاد على اثنين في حكم الندرة، و الكلبة عندما تلد، تلد عدد ثلاثة، أو أكثر ،والغنم هي التي يذبحها الناس ويأكلونها يومياً، ويصل للملايين في بقاع الأرض ،ومع ذلك أعداد الغنم أكثر، وأوفر على كثرة جريان الذبح فيها؛ لأن الله ألقى فيها وعليها البركة، وقد ذكر الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في الأدب المفرد : باب إن الغنم بركة . حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن عمارة بن أبى حفصة عن عكرمة عن ابن عباس قال:” عَجِبْتُ لِلْكِلاَبِ وَالشَّاءِ، إِنَّ الشَّاءَ يُذْبَحُ مِنْهَا فِي السَّنَةِ كَذَا وَكَذَا، وَيُهْدَى كَذَا وَكَذَا، وَالْكَلْبُ تَضَعُ الْكَلْبَةُ الْوَاحِدَةُ كَذَا وَكَذَا وَالشَّاءُ أَكْثَرُ مِنْهَا “
فالبركة إذا وُجدت في قوم وسعت أرزاقهم، وحسنت أخلاقهم، وإذا حلَّت في مكان، وسعت الأوقاتُ، وضاعفت الطاقات، وحققت الإنجازات، وأتت المعجزات؛ فإذا بالخير يتدفَّق من كل جانب، وينحدر من كل صَوْب.
نسأل الله لنا ولكم البركة في كل شيء.