الرئيسية آخرالاخبار أحداث عالمية أخبار العالم أخبار عاجلة أخبار عالمية أخبار عربية أخبار في أخبار أخبارالعالم العربي اخبارعالمية الأزهرالشريف الرئيسية الصحافة العالمية الصفحةالدينية الصفحةالرئيسية العالم في أخبار جامعةالدول العربية رئاسةمجلس الوزراء سفراء سياسة شئون دولية شئون رئاسيةدولية شخصيات عامة صحافة عالمية مـــؤتـــمــــرات مؤتمرات مجلــس الــوزراء مجلس الوزراء مختارات صحيفة التايمز الدولية مشيخة الأزهرالشريف وزارات
كلمة الأستاذ الدكتور محمد الضويني،وكيل الأزهر الشريف، بمؤتمر دعم وحماية القدس، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:
الأحد 12-02-2023 22:09
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمد للهِ الملكِ القدُّوسِ السَّلامِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّ السَّلامِ، ومسكِ الختامِ، ولبنةِ التَّمامِ، وعلى جميعِ الأنبياءِ الكرامِ، ومَن على نهجِهم استقام.
معالي الأمين العام لجامعةِ الدولِ العربيَّةِ السَّيد/ أحمد أبو الغيط
فخامة الرَّئيس الفلسطينيّ/ محمود عباس أبو مازنٍ
السَّادةُ الوزراءُ والسُّفراءُ الأكارم
السَّيِّداتُ والسَّادةُ
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
اسمحوا لي في البدايةِ أن أنقُلَ إلى حضراتِكم تحيَّاتِ فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ أ.د/ أحمد الطَّيِّب، شيخِ الأزهرِ، الَّذي لا يدَّخرُ جهدًا في سبيلِ دعمِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وخالصَ دعائِه بأن يُنعمَ اللهُ على أمَّتِنا الإسلاميَّةِ والعربيَّةِ بالأمنِ والاستقرارِ، وأن يحرِّرَ فلسطين والأقصى.
واسمحوا لي أن أعبِّرَ عن سعادتي لاجتماعِنا اليومَ لـ«دعمِ القدسِ»، ونحن على بُعدِ أيَّامٍ من ذكرى غاليةٍ على قلوبِ المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، إنَّها ذكرى الإسراءِ والمعراجِ الَّتي خلَّدَ القرآن شأنَها في قولِه تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
والإسراءُ والمعراجُ ليست مجرَّدَ معجزةٍ كسائرِ المعجزاتِ، وإنَّما هي جزءٌ أصيلٌ من المكوِّنِ العقديِّ للمسلمِ، أيًّا كان موطنُه؛ لذا كان ارتباطُ المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها بالأقصى والقدسِ وفلسطينَ هو ارتباطٌ عقديٌّ إيمانيٌّ، وليس ارتباطًا انفعاليًا عابرًا ولا موسميًا مؤقَّتًا، فالقدسُ بقعةٌ مباركةٌ، من أقدسِ البلادِ وأشرفِها، وهي أرضُ النُّبوَّاتِ، وتاريخُها مرتبطٌ بِسِيَرِ الرُّسلِ الكرامِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ وهي عزيزةٌ علينا، دينًا ودنيا، قديمًا وحديثًا، ولن نُفَرِّطَ فيها أبدًا مهما كانت المغرياتُ، ومهما عظمتِ التَّهديداتُ.
الحضورُ الكريم:
إنَّ معجزةَ الإسراءِ والمعراجِ الَّتي كرَّمَ بها ربُّ العالمين رسولَنا محمَّدًا – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-ستبقى تفاصيلُها خالدةً في نفوسِ المسلمين، وستبقى آياتُها يُتَعبَّدُ بتلاوتِها إلى يومِ القيامةِ، وإنَّ مِن أعاجيبِ هذه الآياتِ أن تبدأَ بالرَّبطِ بين المسجدين الحرامِ والأقصى، ثمَّ تتوالى الآياتُ في خبرِ فسادِ بني إسرائيل، وكأنَّما هي إشارةٌ من وراءِ حُجبِ الغيبِ لأهلِ هذه القبلةِ –وهم المسلمون-بضرورةِ المحافظةِ على المسجدِ الأقصى وصيانتِه ممَّا يلقاه مِن فسادٍ وإفسادٍ، وأنَّ التَّفريطَ في أحدِهما تفريطٌ في الآخرِ.
ومن ثمَّ فإنَّ هذه الذِّكرى على ما تحملُه من معانٍ روحيَّةٍ ساميةٍ فإنَّها تنكأُ فينا جراحًا لم تلتئمْ بعدُ، فها هي أرضُ المسرى أسيرةٌ، وها هي القدسُ مدينةُ السَّلامِ تغتالُ أبناءَها رصاصاتُ الغدرِ، وها هم الصَّهاينةُ يعتدون على المسجدِ الأقصى بالاقتحاماتِ، وينتهكون فيه الحُرُماتِ، وها هم يسعون لهيكلٍ مزعومٍ مكذوبٍ، فضحَه علمُ التَّاريخِ وأدلَّةُ الحفريَّاتِ الأثريَّةِ.
وإنَّ تحريرَ المسجدِ الأقصى وعودتَه للمسلمين خالصًا وعدٌ صادقٌ في كتابِ ربِّنا لن يتخلَّفَ؛ حيثُ يقولُ اللهُ تعالى: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا»، فعودةُ الأقصى للمسلمين قضيَّةٌ محسومةٌ لا يخفى علينا إلَّا وقتُها، ولعلَّه قريبٌ إن شاءَ اللهُ!
وحتَّى يأتيَ هذا الوقتُ فإنَّ الواجبَ على المسلمين ألَّا يُخدعوا عن قضيَّتِهم، وألَّا يصابوا في وعيِهم، وأن يُحسُّوا بالواقعِ الأليمِ الَّذي يعانيه أهلُ فلسطين، وأن يدركوا ما يُحاك للقبلةِ الأولى الَّتي لا تقلُّ شرفًا وتعظيمًا عن بيتِ اللهِ الحرامِ.
الحضور الكرام:
إنَّ من أعاجيبِ زمانِنا ونحن في عصرٍ يتغنَّى بالحرِّيَّةِ والدِّيموقراطيَّةِ، أن تُقرَّ المؤسَّساتُ الدَّوليَّةُ والهيئاتُ الأمميَّةُ وتشهدَ مواثيقُها ومعاهداتُها بأنَّ المسجدَ الأقصى مسجدٌ إسلاميٌّ عربيٌّ تحت الاحتلالِ، ثمَّ لا يتحرَّكُ لهم ساكنٌ وهم يرون هذه الانتهاكاتِ، وما يجري من حفريَّاتٍ لتخريب بنيانِه، ومحاولاتٍ لطمسِ هويَّتِه، وتغييرِ واقعِه، وسعيهم لهدمِ حائطِ البراقِ الَّذي يسمُّونه كذبًا حائطَ المبكي لتشييدِ الهيكلِ المزعومِ، فضلًا عن التَّضييقِ على من يريدُ الصَّلاةَ فيه، ومنعِ فئاتٍ عمريَّةٍ معيَّنةٍ من دخولِه، بل إغلاقِه في وجهِ الجميعِ مرَّاتٍ متعدِّدةً، فضلًا عن الاعتداءِ الآثمِ على المسلمين قتلًا وجرحًا واعتقالًا، كلُّ ذلك يحدثُ في صمتٍ مخزٍ من المجتمعِ الدَّوليِّ الَّذي لم يكترثْ لكلِّ هذه الانتهاكاتِ ولم يصدرْ عنه سوى المطالبةِ بالتَّهدئةِ وضبطِ النَّفسِ!
ولو أنَّ ما يرتكبُه الصَّهاينةُ كلَّ يومٍ في القدسِ الشَّريفِ خاصَّةً وفي الأراضي الفلسطينيَّةِ عامَّةً، قام بعُشرِ معشارِه بعضُ الفلسطينيِّين تجاهَ معبدٍ يهوديٍّ ولو كان مهجورًا؛ لقامت الدُّنيا ولم تقعد، ولتحرَّكت الدُّولُ الكبرى والصُّغرى، ولشنَّتْ المؤسَّساتُ الدَّوليَّةُ والهيئاتُ الأمميَّةُ ومنظَّماتُ حقوقِ الإنسانِ حملةً لا هوادةَ فيها على المستوى الرَّسميِّ والإعلاميِّ تتَّهمُ الإسلامَ فيها بالتَّطرُّفِ والإرهابِ، وتصمُ المسلمين بالهمجيَّةِ والعنصريَّةِ وانتهاكِ المقدَّساتِ، وتصفُ ما حدثَ بأنَّه أبشعُ صورِ الإرهابِ!
ألا فليعلم الصَّهاينةُ ومن يقفُ خلفَهم أنَّ المسجدَ الأقصى إسلاميٌّ عربيٌّ كان وما زال وسيبقى، وإن ظنَّ هؤلاءِ أنَّ تطاولَ الأزمنةِ وتزييفَ التَّاريخِ وتغييرَ الواقعِ سيُنسي العربَ والمسلمين قبلتَهم الأولى فهم واهمون، وعلى الدُّولِ الكبرى أن تَكيلَ بمكيالٍ واحدٍ في تعاملِها مع قضايا العالمِ، وأن تكفَّ عن الانحيازِ والدَّعمِ المطلقِ لهذا الكيانِ الغاصبِ الَّذي غرسوه في بلادِنا، وليعلموا أنَّ ما يحدثُ بحقِّ المسلمين ومقدَّساتِهم يمثِّلُ بيئةً خصبةً للتَّطرُّفِ والإرهابِ الَّذي يهدِّدُ الأمنَ والسِّلمَ في العالمِ وليس في منطقتِنا المنكوبةِ فحسبُ.
وإنَّنا –نحن أمَّةَ العربِ والإسلامِ- أمَّةُ سلامٍ، ولكنَّه سلامُ القوَّةِ وليس سلامَ الضَّعفِ والانكسارِ والانهزامِ، وإنَّنا نوقنُ أنَّ هذا السَّلامَ هو الخيارُ الأوحدُ للعالمِ ليتجاوزَ الثَّمراتِ المرَّةَ للكراهيةِ.
وإنَّ الرِّضا بالتَّجاوزاتِ والانتهاكاتِ الَّتي يقوم بها الصَّهاينةُ نقصٌ في الإيمانِ، فضلًا عن كونِه رعونةً عقليَّةً وسُبَّةً لا تُقبلُ في عصرِ الحضارةِ والحقوقِ والحرِّيَّاتِ.
وإنَّ الواجب علينا أن ننطلقَ من البياناتِ الرَّسميَّةِ الَّتي تنبئِ عن مشاعرَ صادقةٍ تجاه القضيَّةِ إلى دعمٍ حقيقيٍّ لفلسطينَ يتمثَّلُ في مدِّ يدِ العونِ: نصرةً دينيَّةً، وفكرًا متجدِّدًا، ودعمًا سياسيًّا، واستثمارًا حقيقيًّا في مجالاتِ التَّنميةِ الاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ.
الحضور الكرام:
إنَّ ما يقدِّمُه الأزهرُ الشَّريفُ من مؤتمراتٍ وندواتٍ ومطبوعاتٍ هو خطوةٌ ضروريَّةٌ من أجلِ استعادةِ الوعيِ المطلوبِ بقضيَّةِ فلسطين والأقصى وخاصَّةً لدى النَّشءِ، وإنَّ الأوجبَ أن يوجدَ حراكٌ فعَّالٌ في المحافلِ الدَّوليَّةِ ولدى أحرارِ العالمِ لكشفِ هذا الكيانِ الَّذي تتبرأُ من أفعالِه النَّكراءِ شرائعُ السَّماءِ، ويُدينُ جرائمَه العقلاءُ.
وقد عقدَ الأزهرُ مؤتمرَه الأخيرَ لنصرةِ القدسِ، وقد صرَّحَ خلالَه أتباعُ الدِّيانةِ اليهوديَّةِ الَّذين شاركوا في المؤتمرِ بأنَّ هذا الكيانَ لا يمثِّلُ اليهوديَّةَ، وأنَّ ما يرتكبه مِن جرائمَ بعيدٌ كلَّ البعدِ عن تعاليمِ اليهوديَّةِ الصَّحيحةِ.
وقبل أن أختمَ كلمتي أحبُّ أن أُؤكِّدَ ثباتَ الأزهرِ على موقفِه من القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وأصوغُ رسائلَ مهمَّةً إلى المجتمعَين المحليِّ والدَّوليِّ:
أوَّلًا: إنَّ فلسطينَ وعاصمتَها القدسُ ستُحرَّرُ إن لم يكن على أيدينا، فعلى أيدي أبنائِنا أو أحفادِنا، ذلك وعدٌ غيرُ مكذوبٍ.
ثانيًا: إنَّ الإرهابَ الَّذي يمارسُه الكيان الصُّهيونيُّ بحقِّ الفلسطينيِّين ومقدَّساتِنا الإسلاميَّةِ والمسيحيَّةِ في القدسِ الشَّريفِ لا يختلفُ كثيرًا عن الإرهابِ الَّذي يضربُ منطقتَنا المنكوبةَ، فكلاهما صناعةٌ خبيثةٌ تعمل وفق أجندات مشبوهة، وعلينا أن نعلنَ ذلك صراحةً دون مواربةٍ أو مداهنةٍ، ولنتوقَّف عن جلدِ أنفسِنا، وعلى المنهزمين نفسيًّا والمغيَّبين عقليًّا أن يُفيقوا وينتهوا عن اتِّهاِم مناهجِنا التَّعليميَّةِ ودينِنا الحنيفِ وتراثِنا السَّمحِ بالعنفِ والتَّطرُّفِ، فجميعُهم براءٌ من هذا الإرهابِ الأسودِ الَّذي صنعوه وزوَّدوه بكلِّ سبلِ التَّمدُّدِ والانتشارِ، ثمَّ اتخذوه ذريعةً لتدميرِ بلادِنا، وفرضِ الوصايةِ على شعوبِنا، وتحطيمِ آمالِنا في مستقبلٍ أفضلَ لشبابِنا والأجيالِ المقبلةِ!
ثالثًا: إنَّ عروبةَ القدسِ وإسلاميَّتَها مسألةٌ محسومةٌ تاريخًا ودينًا وواقعًا، فنحن الأحقُّ بجميعِ الأنبياءِ والمرسلين، الَّذين جاءت رسالاتُهم بالسَّلامِ، وليس هؤلاء الصَّهاينة الَّذين خرجوا على التَّعاليمِ السَّمحةِ للشَّرائعِ السَّماويَّةِ.
رابعًا: إنَّ الواجبَ العمليَّ على المؤسَّساتِ والمنظَّماتِ الدَّوليَّةِ إن صدقتْ في إنسانيَّتِها أن تعملَ على دعمِ القدسِ على المستوياتِ السِّياسيَّةِ والقانونيَّةِ والاقتصاديَّةِ بآليَّاتٍ حقيقيَّةٍ بعيدًا عن الشَّعاراتِ الَّتي لا تتجاوزُ الأوراقَ.
خامسًا: إنَّ من الواجباتِ الجديدةِ على عقلاءِ الأمَّةِ ومفكِّريها وصانعي القرارِ وأصحابِ الأموالِ أن يضعوا فلسطينَ على أجندةِ اهتماماتِهم وأولويَّاتِهم، وأن يضخُّوا من الأفكارِ والقراراتِ ما يعينُ على إحداثِ تنميةٍ واستثمارٍ حقيقيٍّ يعينُ أبناءَ فلسطينَ على الصُّمودِ في وجهِ التَّحدياتِ الَّتي يفرضُها المحتلُّ.
ونرجو لهذا المؤتمرِ أن يثمرَ عن رؤيةٍ حقيقيَّةٍ وبرامجَ عمليَّةٍ لدعمِ الاستثمارِ في مجالاتِ الحياةِ كافَّةً في فلسطين، وخاصَّة القدسَ الشَّريف بما يحقِّقُ الحمايةَ لها، ودعمًا لصمودِ أهلِها في مواجهة الممارسات الصُّهيونيَّةِ العدوانيَّةِ.
وختامًا: فإنَّ على حكوماتِنا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ تنويرَ الأجيالِ الحاليِّةِ والقادمةِ بتاريخِ القدسِ وعروبتها، وأن تغرسَ في أذهانِ الأطفالِ أهميتَها لتبقى حيةً في أذهانِهم «عاصمةً لفلسطين على مرِّ التَّاريخِ وستبقى عربيَّةً إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها».
وفَّقكم اللهُ
والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه