كتب صحيفة التايمز الدولية
كتب:سيدالمختار
اختتمت في العاصمة الموريتانية نواكشوط الدورة السابعة والعشرون للقمة العربية بإصدار مجموعة من التوصيات تحت مسمى “إعلان نواكشوط”.
وتناول جدول أعمال القمة عددا من القضايا والملفات العربية الشائكة، مثل الأزمات في سوريا واليمن وليبيا والعراق، بالإضافة إلى علاقة العرب بالقوى الإقليمية، وتحديدا إيران وتركيا.
قمة الأمل
ورغم اختيار المنظمين شعار “قمة الأمل”، فإن القمة لم تخرج بما من شأنه إحياءُ آمال المواطنين العرب في إيجاد حلول وتسويات للأزمات الأمنية والسياسية، التي تعصف بالعالم العربي.
وجاء اختيار موريتانيا شعار “الأمل” اعترافا بحجم المآسي، التي تعيشها البلدان العربية، والتأزم الذي يمر به العمل العربي نتيجة الخلافات البينية العميقة. كما أرادت موريتانيا بهذا الشعار لفت انتباه العرب إلى أول قمة عربية تستضيفها؛ وهي التي كان يعتقد بعض المراقبين أنها يمكن أن تقدم شيئا للعرب بحكم بُعدها نسبيا عن لعبة الاستقطاب، التي تعمق الشرخ العربي.
على أن الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بدا متفائلا بالقمة العربية في نواكشوط؛ حيث قال للصحافيين بعد اختتام القمة إنها كانت ناجحة بتحقيقها كل الأهداف المطلوبة رغم انعقادها في ظروف استثنائية.
وأوضح أبو الغيط أن العالم العربي شهد الكثير من المآسي خلال السنوات الأخيرة؛ لكن القمة أثبتت أن الأمة العربية ليست كيانا ميتا بل أمة ما زالت قادرة على الدفاع عن نفسها؛ مشيرا إلى دعوات بأن على الجامعة العربية من الآن معالجة كل الأزمات.
إعلان نواكشوط
وإذا كانت موريتانيا ترى أنها كسبت رهان التنظيم من الناحيتين اللوجستية والأمنية، فإن النتائج التي خرجت بها قمة نواكشوط لم تلبِ مستوى تطلعات المراقبين والمواطنين العرب؛ حيث لم يخرج عن البيان الختامي للقمة عن البيانات المعهودة.
وما عدا دعوة إيران إلى الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وتبني المبادرة الفرنسية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فإن البيان الختامي لقمة نواكشوط لم يحمل ما يميزه عن بيانات القمم السابقة، وتوزعت فقراته بين الأمل والمناشدة والترحيب.
وحول النزاع السوري الذي عمر أكثر من خمس سنوات؛ فقد اكتفى البيان الختامي لقمة نواكشوط بالإعراب عن “أمل القادة العرب في أن يتوصل السوريون إلى حل سياسي لأزمتهم، يحافظ على وحدة بلادهم ويصون استقلالها وكرامة شعبها”.
وتحت ضغوط خليجية، ناشد البيان الختامي المتنازعين في اليمن “تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية”، بينما دعا القادة العرب أطراف الأزمة الليبية إلى “السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية”.
وأبدى “إعلان نواكشوط” دعم العرب للعراق في الحفاظ على وحدته ومساندتهم لهذا البلد في حربه ضد تنظيم “داعش”، الذي قال ممثل العراق في القمة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري إن بلاده تتطلع للقضاء عليه نهائيا بحلول نهاية العام الجاري. ومر البيان الختامي بالوضع في الصومال والسودان؛ معربا عن دعم القادة العرب لمسار المصالحة الوطنية في كل منهما.
الخلافات حاضرة
وألقت الخلافات البينية بظلالها الكثيفة على قمة نواكشوط؛ حيث انعكس ذلك في ضعف مستوى الحضور الذي كان مفاجئا للموريتانيين وللجامعة العربية. وكان مستوى حضور الزعماء أقل من المستوى المتوسط الذي حدده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط بأنه يتراوح بين أحد عشر وخمسة عشر زعيما؛ في حين لم يحضر قمة نواكشوط سوى سبعة زعماء بينهم رئيس موريتانيا المضيِّفة.
وفي المجمل، كانت الغيابات وازنة، بحيث انخفض تمثيل عواصم صنع القرار العربي في القمة، مثل: مصر والسعودية والمغرب والأردن لأسباب مختلفة، تركت العديد من علامات الاستفهام حول مدى اهتمام العرب بقضاياهم.
وتحدثت وسائل إعلام موريتانية عن خلافات حادة بين حاضري قمة نواكشوط حول الأزمة السورية؛ إذ انقسم العرب إزاء منح مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة إلى ثلاث طوائف، تدعم أولاها منح المقعد السوري للمعارضة وتقودها معظم دول الخليج ومعها السودان واليمن؛ وترفض ثانيتها منح مقعد سوريا للمعارضة وتتزعمها كل من مصر والعراق والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين ولبنان وعمان وجيبوتي، أما الطائفة الثالثة فوقفت على الحياد من طرفي النزاع السوري وهي المغرب وموريتانيا والإمارات والأردن والصومال وجزر القمر.
وتفاديا للمزيد من الخلافات العربية، اقتصرت قمة نواكشوط على يوم واحد بدلا من يومين دأب العرب على تنظيم قممهم فيها. كما غابت عن قمة نواكشوط جلسات النقاش المغلقة والمطولة؛ وبرزت فيها الاصطفافات والاستقطابات السياسية التي يعيشها العالم العربي.
وإذا كانت موريتانيا قد كسبت رهان تنظيم القمة في وقت وجيز، فإن أمام البلاد الكثير من التحديات خلال السنة المقبلة، التي تتولى فيها الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة العربية للمرة الأولى في تاريخها، وينتظر العرب خلالها أن تزيد رقعة “الأمل”، أو أن تحافظ عليها على الأقل.