ads
رئيس التحرير
ads

علام يقتل أحدُكم أخاه؟!…للدكتورغانم السعيدعميدكليتي الإعلام واللغةالعربيةالأسبق

الإثنين 05-06-2023 20:35

كتب

كلنا نؤمن إيمانا يقينيا بأن الموت حق، وأن لكل أجل كتاب، كما نؤمن أيضا بأن للموت أسبابا بعد قدر الله سبحانه وتعالى، ومن أسبابه ( العين)
بل قل: ( الحسد ) وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا) فقوله: (ولو كان شيء سابق القدر)، يعني: أنه لو كان شيء سابق القدر في إفناء شيء وزواله قبل أجله وأوانه المقدر، لسبقته العين، لكن العين لا تسبق القدر، وهذا مجرد مثال؛ حتى يبين حقيقة هذه الإصابة، وهذا الشر.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العين تدخل الرجل القبر، والجمل القدر).
أي: يبلغ من تأثيرها أحياناً أنها قد تقتل الرجل فيدفن في القبر، بسبب هذا الحسد، وإذا أصابت الجمل أشرف على الموت فيذبحه مالكه، ليدركه قبل أن يموت، فيطبخ في القدر.
وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: (استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين) حسنه الحافظ.
وروت أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، أفأسترقي لهم؟ -يعني: أرقيهم؟ – فقال: نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين).
وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت : (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة-يعني: تغير وسواد- فقال: استرْقوا لها فإن بها النظرة) يعني: أصابتها عين.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج -يعني: الفوائد من جلب نفع أو دفع ضرر- بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود).
وقد جاء في الأثر: ” استر عن الناس ثلاثة:( ذَهَبَك، ومذْهبك ، وذَهَابك)”
ومن غريب أمر الحاسد أنه قد يحسد نفسه، وماله، وولده، فعن عامر بن ربيعة- رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق).
وأنه يجب على المرء إذا رأى شيئا يعجبه من نفسه أو ماله أو ولده أو إخوانه فليقل:” اللهم بارك فيه ولا تضره”
وقد حسد صاحب الجنتين جنتيه حينما رأى ثمارهما دانية، ونضارتهما يانعة، فقال:” ما أظن أن تبيد هذه أبدا”، فقال له صاحبه ما كان يجب عليه أن يقوله حتى ينجو من شر حسده لجنته: ” فلولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله”.
وقد علَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه حُسْنَ الأدبِ في كلِّ شَيءٍ، ومِن ذلك: الدعاءُ بالبركةِ والخيرِ عند رُؤيةِ ما يُعجِبُ؛ حتَّى تندفِعَ العينُ ولا يقِعَ التَّحاسُدُ بين النَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ النبوي يَحكي أبو أُمامةَ بنُ سَهلِ بنِ حُنَيفٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه: “مَرَّ عامِرُ بنُ ربيعةَ بسَهْلِ بنِ حُنَيفٍ وهو يَغتسِلُ” وكان يغتسِلُ في بِئرٍ في المدينةِ، فقال عامِرٌ – رضِيَ اللهُ عنه – عندما رأى سَهلًا: “لم أَرَ كاليومِ ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ”، أي: ما رأيتُ يومًا مِثلَ ما رأيتُه اليومَ في البَياضِ والنُّعومةِ؛ جِلدًا حَسَنًا جميلًا أجمَلَ مِن جِلْدِ الفَتاةِ المُنعَّمةِ، المُخَبَّأَةِ الممنوعةِ مِن الخُروجِ مِن خِبائِها وخَيمتِها وبيتِها الَّتي لم تتزوَّجْ بعدُ! قال أبو أُمامةَ رضِيَ اللهُ عنه: “فما لَبِثَ أنْ لُبِطَ به”، أي: صُرِعَ سهلُ بنُ حُنيفٍ، وسَقَط مِن قِيام، وذلك مِن أثِرِ العَينِ والحَسدِ، وفي روايةِ الطَّبرانيِّ: “فوُعِكَ سَهلٌ مكانَه، واشتَدَّ وَعْكُه”.
قال أبو أُمامةَ: “فأُتِيَ به”، أي: بخَبرِ ما أصابَ سَهلٌ، “النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقيل له: أدرِكْ سَهلًا صَريعًا”، أي: مَريضًا لا يَقْوى على القِيامِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “مَن تتَّهِمونَ به؟ قالوا: عامِرَ بنَ رَبيعةَ”. وفي روايةِ الطَّبرانيِّ: “فأخبَرَه سَهلٌ الَّذي كان مِن شأْنِ عامِرٍ”، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “عَلَامَ يقتُلُ أحدُكم أخاه؟!”، أي: بالعينِ والحَسدِ، ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم مُوجِّهًا إلى الأدبِ في مِثلِ هذه المواقِف: “إذا رأى أحدُكم مِن أخيه ما يُعجِبُه فليدْعُ له بالبَركةِ”، أي: أنْ يسأَلَ اللهَ له الزِّيادةَ في الخيرِ.
قال: “ثمَّ دعا”، أي: طلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، “بماءٍ، فأمَرَ عامِرًا أنْ يَتوضَّأَ، فيغسِلَ وجْهَه ويديه إلى المِرْفقينِ ورُكْبتَيه وداخلةَ إزارِه”، وداخِلُ إزارِه: طرَفُ الإزارِ الَّذي يَلِي الجَسدَ، “وأمَرَه أنْ يَصُبَّ عليه”، وفي روايةِ أحمدَ مِن حديثِ سَهلِ بنِ حُنَيفٍ: “ثمَّ يَصُبَّ ذلك الماءَ عليه رجُلٌ مِن خلْفِه على رأْسِه وظهرِه، ثمَّ يُكْفِئَ القدَحَ. ففُعِلَ به ذلك، فَراحَ سَهلٌ مع النَّاسِ ليس به بأسٌ” وهو كِنايةٌ عن سُرعةِ بُرْئِه.
وكثير من زملائنا تصيبهم العين، وقليل منهم من ينجو فمنهم من تصيبه عندما يعلن عن تعيينه في الجامعة فتتعثر خطاه ويتوقف حاله، ومنهم من تصيبه عند الحصول على الدرجة العلمية فتحدث له مشاكل تؤخره عن التعيين في الدرجة الأعلى، ومنهم من تصيبه بعد الدكتوراه فيتوقف عند هذه المحطة ويعزف عن البحث فلا يحصل على الدرجات الأعلى رغم تميزه وتفوقه، ومنهم من تصيبه عند السفر فيعود مصابا بالأمراض المزمنة التي قلما ينجو منها.
ومنهم من يتخطفه الموت عاجلا وهو لا يزال في ريعان شبابه، وتحضرني أسماء من هؤلاء الزملاء، وقد عانيت شخصيا من أثر العين صحيا وماديا.
والحمد لله على عفوه ومنه وكرمه.
ads

اضف تعليق