كتب صحيفة التايمز الدولية
الأقصر (مصر) من حجاج سلامة
كان إنجاب الأطفال في مصر الفرعونية من أعظم النعم وكان خبر ولادة طفل حدث بالغ البهجة، وكانت الأم الحامل تحظى بعناية ورعاية خاصة من قبل الأسرة وتعد لها التمائم والوصفات التي يقدمها السحرة لحمايتها حتى وضع جنينها.
وكان تمثال تويريت إلهة وحارسة الأمهات في مصر الفرعونية، والتي تمثل بجسد أنثى فرس النهر وأرجل أسد وغطاء رأس من ذيل تمساح، يوضع بجانب الأمهات الحوامل حتى يلدن بسلام.
وكان قدماء المصريين يعتقدون أن الآلهة تبتسم لأولئك الذين يعولون أسرا بها أعداد كبيرة من الأطفال وأن الآلهة تتجهم في وجه من لا يعولون أطفالا. وحسب دراسة تاريخية مصرية، صدرت أمس في مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطفل، وأعدها الباحث المصري الدكتور محمد يحيى عويضة، فقد حظى الأطفال في مصر ما قبل آلاف السنين برعاية خاصة واهتمام بالغ.
ويقول عويضة في دراسته «إن أجمل حياة في الكون وعبر الزمن، هي التي عاشها الطفل المصري القديم، الذي كان أكثر سعادة ومرحا ولعبا، وأكثر أطفال الكون رعاية واهتماما من قبل أسرته ومجتمعه المحيط به»، وأشار إلى أنه من النادر أن تخلو مقبرة أو معبد فرعوني من نقش لطفل أو لمجموعة أطفال وهم يلعبون أو يتعلمون أو يمارسون رياضة ما.
وقال عويضة إن الأسرة في مصر القديمة «اهتمت بنشأة الطفل وتأديبه وتعليمه وتهذيبه وتدريبه على استخدام ألفاظ تدل على اللياقة واللباقة والاحترام للآخرين، وأن المصري القديم حرص على تنمية مهارات الطفل وإتاحة الفرصة له للتًعَلُمٌ والإبداع واللعب والانتماء لأرضه والافتخار بوطنه، وأن الطفل المصري القديم كان يتمتع بذكاء كبير»، وكان كل مواطن في مصر الفرعونية يعتبر أن أي طفل لجيرانه هو بمثابة طفل له، وكان الطفل المصري القديم يرتاد المدرسة في المعبد ليتعلم القراءة والكتابة والحساب والهندسة والأدب والآداب العامة وكيفية التعامل مع المقدسات وقواعد الفنون والموسيقى والبروتوكول واحترام من هو أكبر منه سنا أيا ما كان مستواه الاجتماعي.
وأشار عويضة إلى أن الفراعنة علموا الطفل كيف يحترم ذاته، وبالتالي أصبح عند الطفل في مصر القديمة وعي رفيع باحترام الآخر، ونشأ الطفل المصري القديم في ظل أسرة مستقرة مستقلة من زوج وزوجة يتمتعان بقسط وافر من الحرية الشخصية والمالية.
وكان للطفل الأكبر نصيب من المسؤولية فهو من يقع على عاتقه دفن أبيه حال موته، والقيام بجميع المراسم والطقوس ورعاية الأسرة في غياب عائلها. وكان المصريون القدماء يحبون أبناءهم ولا يبخلون عليهم بالغالي والنفيس، وكان أغلب الأبناء يحسنون صنعة الآباء والأجداد، وكان الآباء ينقلون أسرار حرفهم ونتاج خبرتهم إلى أبنائهم حتى نتج عن هذا وجود أسر تحتكر حرفا معينة طوال فترات تاريخ الحضارة المصرية القديمة.
وكان التعليم في البيت من أكثر أنواع التعليم شيوعا، أما الملوك فقد عهدوا بتعليم أبنائهم وبناتهم الذين هم من نسل الدم الملكي إلى مؤدِّبين مختصين. وكان أبناء النبلاء يتعلمون مع أبناء الملوك، أما البنات فكن يتعلمن في الأغلب فنون الطهى والتدبير المنزلي والنظافة وطرق توفير أقصى درجات الراحة للزوج ورعاية الأطفال بجانب تعلم فنون الموسيقى والرقص والاتيكيت والقواعد العامة للذوق.
وكانت للأطفال في مصر الفرعونية مجموعة من الألعاب، من بينها ما يعرف اليوم بكرة القدم ولعبة الخدراف (جمع خدروف وهو النحلة الدوارة) والصلصلات (الشخاشيخ) وأيضا العرائس المتحركة ذات الفكوك المتحركة وفؤوس القتال المصغرة، أما البنات فكن يتخذن عرائس حقيقية من الخشب يلعبن بها ويضعنها في أسرة صغيرة. أما الفتيان الأكبر سنا فكانوا يلعبون ألعاب المهارة مثل الصيد بالعصا والرماية نحو الهدف، إلى جانب التمرينات اليدوية والسير على الحبل المشدود والمصارعة والجري والقفز.
وقد تعبد الفراعنة إلى آلهة من الأطفال، مثل الإله الطفل «حورس» الذى انتقم لأبيه من عمه وورث مملكته، وهناك الإله الطفل «خنسو» إله القمر في ثالوث طيبة المكون من الأب آمون والأم موت، والإله الطفل خنسو، وأيضا كان هناك الطفل الإله «ايحى» وغير ذلك من المعبودات والآلهة من الأطفال.
(د ب أ)