خبراء يناقشون اختلالات التنمية في إقليم تاونات
الخميس 15-12-2016 23:23
رشيد الكويرتي من تاونات
احتضنت عمالة إقليم تاونات ورشة حول “الروابط بين المجالات الحضرية والقروية”، التي تروم تفعيل الحوار حول سياسات التنمية الترابية؛ وهو اللقاء الذي يدخل في إطار برنامج التعاون المشترك بين المغرب وبين منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وشارك في هذه الورشة، المنظمة من لدن وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، خبراء ينتمون إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تترأسهم كلير شربيط، المكلفة بالحوار الترابي مع مجالس المدن والجهات لدى المنظمة، فضلا عن منتدبين من لدن المنظمة الدولية ذاتها؛ وعلى الخصوص من كندا والشيلي وإسبانيا، استعرضوا تجارب دولية تخص السياسات العمومية لتدبير الروابط بين المجالين الحضري والقروي.
ورامت هذه الورشة، التي ترأسها إدريس مرون، وزير التعمير وإعداد التراب الوطني في حكومة تصريف الأعمال، المساهمة في وضع مرتكزات التنمية المستدامة للمجالات القروية من خلال نموذج تاونات، والتأكيد على روابطها الوظيفية مع المراكز الحضرية، عبر تثمين أساليب التشاور المحلي؛ وهو ما سيسمح بتنفيذ رؤية أفقية شمولية، وبمواكبة تعزيز الروابط بين المجالات الحضرية والقروية من أجل تحديد أوجه التكامل بينهما، فضلا عن التفكير في مواضيع عمل مشتركة لتعزيز التنمية المتجانسة بين المجالين.
وجرت مقاربة موضوع ورشة تاونات بتركيز النقاش حول أربعة محاور، تهم السكان والهجرة والبنية الاقتصادية وأداء الاقتصاد القروي والتوجهات الكبرى التي تهم استثمارات القطاع الخاص في المناطق القروية ومستوى تنافسيتها مقارنة مع المناطق الحضرية، فضلا عن مظاهر الابتكار وتنويع المنتوجات في المناطق القروية.
واعتبر محمد أوزين، نائب رئيس جهة فاس مكناس، في معرض تدخله خلال هذه الورشة، أن هذا اللقاء سيشكل مرجعا، من خلال تقريره النهائي، على مستوى برنامج السياسات الترابية الذي يربط المملكة بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وأكد أوزين أن تاونات ستدخل سجل التعاون بين المغرب وبين هذه المنظمة الدولية من خلال استئناس الخبراء على المستوى العالمي بهذا التقرير، مضيفا أن المغرب يروم تطوير علاقاته مع المنظمة على جميع المستويات، بما فيها الحكامة والاستثمار.
من جانبها، تحدثت كلير شربيط، المسؤولة عن الحوار الترابي مع مجالس المدن والجهات والمسؤولة عن الحوار بين المغرب ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية،
عن دور هذه المنظمة المتكونة من 35 دولة أعضاء في دعم الدول الأعضاء على رسم سياسات تنموية مجالية ناجحة من خلال العمل معها على محورين
يتمثلان في مدها بالمعلومات والمعطيات الإحصائية الضرورية، وكذلك عبر الحوار وتقاسم التجارب بين الدول الأعضاء والفاعلين في هذه المجال.
وأبرزت المتحدثة نفسها، في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية،
أن لقاء تاونات يشكل مناسبة لتعرف تجربة الإقليم في هذا السياق، واصفة سياسة التنمية المجالية بسياسة السياسات التي تستوجب استحضار مجمل القطاعات الأساسية؛ كالصحة والتكوين والتشغيل والبنية التحية،
مضيفة أن تقرير ورشة تاونات سيناقش من لدن الخبراء وسيتم تقاسمه مع الدول الأعضاء في المنظمة.
من جانبه، ذكر خوصي إنريكي كرسيلازو، رئيس الوحدة القروية والتنمية الجهوية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أن المنظمة قامت في السنوات الـ25 الأخيرة بإنجاز عدد من الدراسات التي تهم التنظيم الترابي والمجال الحضري.
وأبرز رئيس الوحدة القروية والتنمية الجهوية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية،
في معرض تدخله خلال أشغال هذه الورشة، أنه يجب تجاوز التعريفات الإدارية التقليدية للمجال الحضري والقروي؛ لأن “دورنا هو تحسين هذه التعريفات بوضع أخرى مرنة للمجالين، حيث اقترحنا على دولة الشيلي تغيير هذه التعريفات، إذ إن البلد إذا تمكن من تعريف مجالاته بشكل جيد يصبح من السهل عليه إعداد السياسات العمومية. أما إذا كان هناك خلل في هذه التعريفات، فإن ذلك ينعكس على مستوى التنمية”، يقول خبير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
هيغو مارتينيز، المستشار بوزارة الفلاحة بدولة الشيلي، اختار أن يعرض، خلال أشغال هذه الورشة، تجربة بلاده فيما يخص تدبير المجالات الترابية. وقد أبرز المسؤول اللاتيني أن وزارة الفلاحة بدولته هي المسؤولة عن السياسات التي تهم العالم القروي.
وأكد هيغو مارتينيز أن دولة الشيلي تعطي أهمية كبرى لجودة المواد الفلاحية، بحكم العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض معايير صارمة فيما يخص جودة المنتوجات الفلاحية، مبرزا أن عددا من سكان المدن بدولة الشيلي يشتغلون بالبوادي في الأنشطة الفلاحية، كما هو الشأن بالنسبة إلى ضيعات الفراولة.
وفي معرض حديثه عن مخطط التنمية لإقليم تاونات، شخّص حسن بالهدفة، عامل الإقليم سالف الذكر، وضعية التنمية بالإقليم، وتوقف عند ما يزخر به الإقليم من ثروات ومؤهلات طبيعية، حيث يعتبر خزان المغرب للمياه السطحية بأزيد من 5 مليارات متر مكعب من المياه المخزنة بحقينات السدود؛ وهو ما يتطلب، حسب عامل تاونات، الحفاظ على هذا المورد المهم الذي تتهدده عدة مشاكل، مثل التلوث، مشيرا إلى أن هذه الموارد المائية لا يستفيد منها الإقليم، نظرا لطبيعته الطبوغرافية.
وأبرز عامل إقليم تاونات حسن بالهدفة، في مداخلته أيضا، أن نسبة الفقر والأمية مرتفعة بإقليم تاونات. كما أن مؤشرات صحة الأم والطفل بعيدة عن المؤشرات الوطنية. وأوضح أن إقليم تاونات يعاني العزلة نظرا لتوفره على ممر وحيد، والذي يربطه بمدينة فاس، فيما تبقى الروابط مع الشرق والغرب والمناطق الجنوبية ضعيفة جدا؛ وهو ما يصعب التبادل مع هذه المجالات، حسب عامل تاونات، الذي كشف عن أن الربط بالكهرباء يبقى واحدة من نقط الضوء في الإقليم والذي تبلغ نسبة تغطيته بالكهرباء 99 في المائة، مقابل استفادة أقل من 40 في المائة من الساكنة من الربط بالماء الشروب؛ فيما يتوفر الإقليم على مطرح واحد لتدبير النفايات هو مطرح مدينة تاونات، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للبيئة، حسب عامل إقليم تاونات، الذي وصف وضعية قطاع التربية والتكوين بغير المرضية، شأنه شأن قطاع الصحة الذي يشكل نقطة سوداء بالإقليم، حسب توصف المسؤول الأول عن تاونات.
حسن بالهدفة أبرز، كذلك، أن إقليم تاونات مرتبط بشكل كبير بمدينة فاس، حيث تجمعه بها أزيد من 80 من الروابط الاقتصادية، مشيرا إلى أن إقليم تاونات يفتقر إلى فرص الشغل في الصناعة، مقابل الصناعة التقليدية التي تشغل حوالي 10 آلاف شخص، قطاع يمكن أن يشكل رافعة للتنمية الاقتصادية، يقول عامل تاونات، الذي أقر بأن الإقليم لم يستفد من برامج وطنية مهمة، “ونحن نتخوف من أن يستمر الحال على ما هو عليه، ونتخوف أن تتم تنمية فاس على حساب المناطق المجاورة لها”، يؤكد المتحدث ذاته.
وطالب عامل إقليم تاونات بأن ترتكز التنمية بالإقليم على الاقتصاد الأخضر المرتبط بالفلاحة والغابات والصناعات الغذائية والسياحة والصناعة التقليدية، وحل مشكل العزلة والحفاظ على الموروث الثقافي والبيئي؛ وهو الأمر الذي أجمعت عليه، كذلك، عدد من فعاليات المجتمع المدني، التي تدخلت في هذا اللقاء، والتي أكدت على ضرورة إدماج إقليم تاونات في مخططات التنمية الوطنية بعد سنوات طويلة من التهميش.
جدير بالذكر أن برنامج التعاون المشترك بين المغرب وبين منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يهدف إلى دعم المغرب في تصميم وتنفيذ سياسات التنمية الترابية؛ وذلك من أجل تعزيز القدرة التنافسية للمغرب، وتحسين المستوى المعيشي للسكان، حيث جرى تحديد أربع أولويات لتنظيم هذا الحوار، تتمثل في رهانات الفضاءات الحضرية الكبرى في مجال السياسات العمومية، والروابط بين المجالات الحضرية والقروية، وتقوية القدرات في مجال حكامة وإنتاج وتوظيف المؤشرات الترابية، فضلا عن مواكبة المغرب للانخراط في إطار توصية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من أجل الاستثمار العمومي الفعال بين مختلف المستويات الحكومية.
وزيادة على تبادل الخبرات التي سنح بها لقاء تاونات، الذي استعرضت من خلاله تجارب بعض الدول فيما يخص الروابط بين المجالات الحضرية والقروية، ستتم ترجمة هذا العمل في تقرير سيطرح للنقاش في عدة اجتماعات. كما سيتم تقاسمه، بعد المصادقة عليه، مع ممثلي بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبحضور ممثلين عن القطاعات الحكومية بالمغرب.