كتب صحيفة التايمز الدولية
قبل يومين، كان بمقدور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يكون أكثر اطمئنانا بشأن مصير شبهات الفساد المنسوبة اليه. فأن يكون قد حصل على كميات من السيجار تقدر بعشرات آلاف الدولارات كهدايا، أمر لن يُسرع في نهايته السياسية، أما إذا ما تأكدت صحة الأنباء المتواترة حول قضاياه، ومنها تآمره على الصحيفة التي صدرت قبل 9 سنوات، وتوزع مجانا فقط لدعمه، فإن هذا مؤشر على أن نتنياهو سيكون أكثر قلقا على مصيره، فقد أدخل نفسه الى “بيت عناكب”، لا يمكن الخروج منه سالما، ويبقى السؤال: متى؟.
منذ أن وصل نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في النصف الثاني من سنوات التسعين من القرن الماضي، وشبهات الفساد، بهذا القدر أو ذاك، تحوم حوله. وعلى الرغم من سلسلة تحقيقات تعرّض لها هو وزوجته سارة، إلا أنه لم يواجه أي لائحة اتهام. وقبل تسعة أشهر ظهرت معلومات جديدة لجهاز الشرطة، فأمر المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، بأن تُجري الشرطة فحصا أوليا، قبل الشروع بالتحقيق الجنائي. وكان من المفروض أن يستمر “الفحص” ما بين شهرين إلى أربعة، إلا أنه امتد تسعة أشهر، حتى قرر مندلبليت السماح للشرطة بإجراء تحقيق جنائي مع نتنياهو، تحت التحذير.
وفي البداية جرى الحديث عن أن نتنياهو تلقى هدايا ومكافآت غير مشروعة من أثرياء كبار، كان نتنياهو قد تدخل في قضايا تخص مصالحهم. وكما يبدو فإن نتنياهو كان واثقا من مصير قضايا كهذه، بأنها تنتهي من دون شيء، فدعا المعارضة إلى أن لا تستعجل في حياكة البدلات، لتتولى الحكم. إلا أن ما كشفت عنه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مساء الأحد، وتوسعت به صحيفة “هآرتس” أمس الاثنين، سيفرض على نتنياهو قلقا كبيرا.
وحسب ما نشر، فإن بيد الشرطة أجهزة تسجيل، لجلسات بين نتنياهو وصاحب الصحيفة الإسرائيلية الأكبر يديعوت أحرنوت، أرنون موزيس، وأن نتنياهو هو من طلب تسجيل اللقاء، ولكن ليس واضحا كيف وصلت التسجيلات للشرطة. وتبين خلالها، أن نتنياهو كان يفاوض موزيس، بأن تحسّن صحيفته شكل التغطية عن نتنياهو، وتصبح أكثر ايجابية تجاهه. مقابل أن يعمل نتنياهو على اضعاف صحيفة “يسرائيل هيوم”، اليومية المجانية، المجنّدة كليا لنتنياهو، من خلال الموافقة على سن قانون يفرض على الصحيفة قيودا، من أن تتحول الى صحيفة تباع، وليست مجانية. وهو مشروع القانون الذي أقره الكنيست قبل الانتخابات الماضية، بالقراءة التمهيدية. ويقال أن نتنياهو قرر حل الكنيست والتوجه الى انتخابات مبكرة، كي لا يصادق الكنيست على ذلك القانون، الذي سينهي عهد هذه الصحيفة.
ولكن المسألة ليست صحيفة ومشروعا إعلاميا، بل هي مصالح كبار أثرياء يتغلغلون في مؤسسات الحكم، ويدعمون نتنياهو من خلال التأثير المباشر على الرأي العام الإسرائيلي. وصاحب “يسرائيل هيوم”، هو الثري الأميركي اليهودي، شلدون إدلسون، وهو صاحب واحدة من أكبر شبكة ملاهي القمار في العالم. ويُعد من كبار أثرياء العالم. وهو صهيوني عنصري متشدد، ومن أكبر ممولي الحزب الجمهوري الأميركي. وقد أصدر في منتصف العام 2007 صحيفة “يسرائيل هيوم” اليومية، المجنّدة كليا منذ يومها الأول لشخص نتنياهو. التي في غضون ثلاث سنوات باتت توزع في كافة أنحاء البلاد مجانا.
وحسب الاستطلاعات الدورية حول انتشار وسائل الإعلام، فإن “يسرائيل هيوم”، تجاوزت منذ خمس سنوات، نسبة توزيع الصحيفة الأكبر “يديعوت أحرنوت”، بنسبة طفيفة، رغم أن الصحيفة الأخيرة تبقى الأقوى إعلاميا، نظرا لضعف مضامين “يسرائيل هيوم”، ولكن هذه الأخيرة بدأت تقتنص حصة كبيرة من الإعلانات التجارية والحكومية. رغم أنها مشروع إعلامي خاسر ماليا، ومن يسدد الخسائر تباعا صاحب الصحيفة إدلسون.
بكلمات أخرى، فإذا ما اتضح فعلا أن نتنياهو كانت لديه النيّة للتآمر على الصحيفة التي تدعمه طيلة الوقت، فإن هذا سيعيد النظر في الكثير من التوقعات. فقد اطلعنا على صحيفة “يسرائيل هيوم” في عددها الصادر يوم الأحد، لنرى أن عنوانا على الصفحة الأولى، يقلل من شأن التحقيقات ضد نتنياهو. أما في عدد أمس، فإن الصفحة الأولى تجاهلت كليا قضية نتنياهو، على غير عادة، كما أن نص الخبر في الصفحات المتأخرة، كان ناقلا للمعلومات. وليس كعادة الصحيفة، التي لطاما شنت معارك اعلامية ضد “يديعوت أحرنوت” دفاعا عن نتنياهو.
وايضا بكلمات أخرى، فإن نتنياهو، ومن أجل البقاء في الحكم، من خلال بيئة إعلامية داعمة، قرر كما يبدو استبدال الداعمين، لحسابات عنده. وهذا يعني أنه بدأ يتنقل بين حيتان مال، لهم نفوذ قوية في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي الإعلام. وهذا من شأنه أن يُحدث انقلابات عليه، قد تنعكس على مستقبله السياسي. ففي هذه القضية العينية يرى حقوقيون إسرائيليون مختصون أنها مثل هدايا “السيجار”، لن تفضي الى لائحة اتهام تلزمه بالاستقالة. ولكن من ناحية أخرى، فإن نتنياهو أدخل نفسه طوعا الى بيت عناكب، بيت حيتان المال المتصارعة، وهناك شك كبير بأن يخرج سالما.
وفي الرد على سؤال: متى؟. فإن هذا منوط بوتيرة التحقيقات. ومنوط أيضا باحتمال أن تظهر معلومات جديدة تصب زيتا، على النار التي في ما تزال في بدايتها.وكالة كل العرب الاخبارية