كتب صحيفة التايمز الدولية
بقلم احمد شهاب الدين
آيان جونسون الكاتب الصحفي الشهير في الوول ستريت جورنال والحائز على جائزة بوليتزر عام 2001 كتب تحليلا حديثا يذكر فيه تاريخ العلاقة بين الإخوان والمخابرات
الأمريكية ويستحثها على التعاون معها يبدأ الكاتب متسائلا كيف ستتعامل الإخوان مع إسرائيل ؟ وهل ستتخلى عن العنف حقا ؟ ويقر الكاتب بأن الإدارات الأمريكية بما فيها إدارة الرئيس أوباما ترى أن جماعة الإخوان من الجماعات التي يمكن للغرب التعامل معها ” حتى لو أنكر تلك الاتصالات البيت الأبيض رسميا ” كما يقول الكاتب ، يرجع الكاتب التحالف بين الإخوان والمخابرات الأمريكية منذ الخمسينات ووصفه بالتحالف السري وتم الاتفاق على
قضايا متنوعة مثل القتال ضد الشيوعية وتهدئة بعض التوترات للأوروبيين المسلمين ، وفي كل مرة نرى نفس النموذج القادة الأمريكان يقررون أن الإخوان يمكن أن يكونوا مفيدين وراعين للأهداف الأمريكية ولكن في كل مرة أيضا وبشكل واضح ولا يدعو للدهشة لا يستفيد من تلك العلاقة غير الإخوان المسلمين .
طالب الكاتب الحكومة الأمريكية أن تكون واعية بهذه العلاقة وخطورتها ، ذكر الكاتب نقلا عن أحد الكتب لإيزنهاور تفاصيل اجتماع حضره سعيد رمضان مندوب الإخوان المسلمين وهو صهر حسن البنا والذي كان يوصف بوزير خارجية جماعة الإخوان وهو أبو الباحث السويسري المثير للجدل طارق رمضان ، وكان مسؤولي إدارة أيزنهاور يعرفون ما يفعلون ففي معركة أمريكا ضد الشيوعية كانت أمريكا تحب أن تظهر نفسها ببلد الحريات والداعمة لحرية الدين مقابل الشيوعية الملحدة ، ولقد نشرت تحليلات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مؤخرا عن سعيد رمضان ووصفته بالتبلد الذهني وأنه ” لديه اهتمام فاشي بتجميع الأشخاص من أجل السلطة ” ورغم كل ذلك فالإدارة الأمريكية حينها لم تجد غضاضة في الاستعانة به
يقول الكاتب في معرض كلامه عن سعيد رمضان والسي آي إيه أن الأخيرة دعمته بشكل علني وكانت تطلق عليه بكل بساطة عميل الولايات المتحدة وساعدته في الخمسينات والستينات في استيلائه على مسجد ميونيخ والذي كما يذكر الكاتب قام بطرد المسلمين المقيمين في هذا المكان ليبني المسجد الذي يعد من أهم مراكز الإخوان المسلمين في أوروبا وفي النهاية لم تحصد أمريكا من دعمه شيئا فلقد عمل على نشر الإسلام أكثر من محاربة الشيوعية وفي السنوات اللاحقة دعم الثورة الإيرانية ويرجح الكاتب أنه قد يكون متورطا في قتل أحد الدبلوماسيين المساندين للشاه الإيراني في واشنطن .
ونذكر القراء بأن أيان جونسون هو نفسه الذي ألف كتابا شهيرا اسمه ” مسجد في ميونيخ ” يتحدث فيه عن ذلك المسجد باعتباره رمزا لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا وذكر أن حكومات أمريكا وألمانيا الغربية تنافسوا للسيطرة عليه ليكون قاعدة لمحاربة نظام حكم جمال عبد الناصر و هناك كتاب آخر كشف تفاصيل كثيرة عن استغلال المخابرات الأمريكية الإخوان المسلمين في حربهم ضد عبد الناصر كتاب ” إم آي سيكس : مغامرة داخل العالم السري لجهاز المخابرات البريطانية ” وهذا الكتاب كشف أيضا دور المخابرات البريطانية في مساعدة سعيد رمضان لترتيب انقلاب ضد عبد الناصر سنة 1965 و العملية التي انتهت بالقبض على أغلب عناصرها فيما عرف بقضية تنظيم الإخوان عام 1965 والذي كان يرأسه في مصر سيد قطب
يقول جونسون أن العلاقات بين الإخوان والمخابرات الأمريكية شهدت جزرا ومدا بعد ذلك ففي حرب فيتنام كان تركيز أمريكا في مكان آخر ولكن العلاقات مع المسلمين عادت تحتل البؤرة في حرب السوفييت في أفغانستان حيث دعمت المجاهدين وعلاقاتهم مع الإخوان كان فيها ما فيها من التودد والاقتراب .
في السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر غيرت الولايات المتحدة موقفها من الإخوان حيث أعلنت من جانبها على لسان جورج دبليو بوش أن الولايات المتحدة تواجه حربين الأولى مع العالم الإسلامي والثانية في موجة الكراهية من قبل الأقليات الإسلامية في عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا ودول أخرى حيث كانت مؤتمرات الإخوان المسلمين التي أعلن أعضاء بارزين فيها أنهم داعمين للإرهاب على حد تعبير الكاتب .
ويذكر إيان جونسن في تحليله عن العلاقات بين الإخوان وأمريكا أن إدارة بوش وضعت استراتيجية في التعامل مع الجماعات القريبة إيديولوجيا من الإخوان ولكن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتنبه لبروز الإخوان كقوة سياسية إلا منذ عام 2005 في مصر وفي دول أخرى وشرعت في بذل جهودها لخطب ودهم ، ويذكر الكاتب مثالا لهذا التعاون أو لخطب الود كما يقول في عام 2006 نظمت الخارجية الأمريكية مؤتمرا في بروكسيل بين الإخوان المسلمين في أوروبا والمسملين في أمريكا الشمالية أو الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية ، التي تعتبر قريبة من الإخوان المسلمين وتمت مثل هذه الأشياء اعتمادا على تحليلات للمخابرات الأمريكية السي آي إيه التي وصف أحد أعضاءها إعجابه بالإخوان المسلمين في الديناميكية الداخلية بين أعضائها ، والتنظيم ، وإعلامهم الذكي … وتم ذلك التعاون بين المخابرات الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين على الرغم من مخاوف الحلفاء الأوربيين الذين يرون في هذا الدعم مخاطرة كبيرة .
أما بالنسبة لإدارة بوش فهي تحوي بين أعضائها من شاركوا في وضع تلك الاستيراتيجية في التعامل مع الإخوان في الإدارة السابقة
يقول الكاتب أن القرضاوي أصبح رمزا لنمو الإخوان السياسي المتنامي في المنطقة حيث تعمل الجماعة بشكل شرعي في الأردن والغنوشي رجع إلى تونس وهو زعيم حزب النهضة الذي يلعب دور المعارضة الإسلامية البارزة في تونس ، إضافة إلى حماس في غزة ، وفي مصر يعتبر الكاتب جماعة الإخوان المسلمين الوجه المعارض البارز بجانب مجموعات سياسية وعلى الأقل يقول الكاتب أنها إن لم تحكم مصر فستلعب دورا مهما في الحياة السياسية نظرا لتاريخها السياسي الطويل في المنطقة
وفي نهاية التقرير الذي كتبه الصحفي الكندي إيان جونسون على موقع نيويورك ريفيو أوف بوكس يستحث إدارة أوباما على التعامل مع الإخوان المسلمين فمنذ نصف قرن تعامل الغرب مع الإخوان لتحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة الأمد ، وبعدها دعم الغرب العديد من الحكومات المستبدة التي حاولت أن تزيل جماعة الإخوان والآن – يقول الكاتب – ونحن نرى الحكومات تترنح الواحدة تلو الأخرى فالغرب ليس لديه خيار فبعد عقود من الكبت تظهر واحدة من الجهات الفاعلة والدائمة والثابتة جماعة الإخوان المسلمين وفي رؤيتها مزيج من الأصولية والأسلوب السياسي الحديث ويقول الكاتب أن العلاقات بين الإخوان والبيت الأبيض موجودة وإن أنكر أوباما ذلك رسميا … ومن حق القاريء أن يتساءل بعد قراءة هذا التحليل الخبري إذا كانت الإدارات الأمريكية تعاونت مع الإخوان في السابق ضد عبد الناصر الذي كان يمثل تهديدا لمصالحها ، وكذلك استخدمتهم في الحرب ضد الشيوعية لإظهار أمريكا بمظهر الدولة الداعمة للحرية الدينية ضد الشيوعية فالتعاون الإخواني الأمريكي الآن وبعد موت عبد الناصر وانهيار الشيوعية سيكون ضد من ؟ أيا كانت الإجابة فهي ليست بالتأكيد ضد أمريكا وحلفائها